أو تسريحٌ بإحسان

| هدى حرم

الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬تقومُ‭ ‬على‭ ‬المودة‭ ‬والرحمة،‭ ‬ولا‭ ‬فضلَ‭ ‬لشريكٍ‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬الزواجِ‭ ‬على‭ ‬شريكه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الامتيازاتِ‭ ‬التي‭ ‬اخْتص‭ ‬بها‭ ‬الرجل‭ ‬كالقوامة‭ ‬وامتلاك‭ ‬العصمة،‭ ‬والتي‭ ‬تُعدُ‭ ‬تكليفاً‭ ‬للرجل‭ ‬لا‭ ‬تشريفاً‭ ‬له،‭ ‬ليبْلُوَهُ‭ ‬أيشكرُ‭ ‬أمْ‭ ‬يكفر،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يستغلُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬بصورةٍ‭ ‬مؤسفة،‭ ‬فيهدر‭ ‬كرامة‭ ‬الزوجة‭ ‬ويُمعِن‭ ‬في‭ ‬التحكم،‭ ‬ويسترسل‭ ‬في‭ ‬إلحاقِ‭ ‬الأذى‭ ‬النفسي‭ ‬والجسدي‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬يسلبها‭ ‬حريتها‭ ‬ويقطع‭ ‬صلتها‭ ‬بأهلها؛‭ ‬فتصبحَ‭ ‬مهيضة‭ ‬الجناح‭ ‬بلا‭ ‬والٍ‭ ‬ولا‭ ‬سند،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يتوقعُ‭ ‬الرجل‭ ‬والمجتمع‭ ‬أنْ‭ ‬تستمرَ‭ ‬المرأةُ‭ ‬دونَ‭ ‬شكوى‭ ‬في‭ ‬تحملِ‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬الزوجية‭ ‬والأُسرية‭ ‬كفرضٍ‭ ‬واجبٍ‭ ‬لا‭ ‬يجوزُ‭ ‬لها‭ ‬تركه،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬المعيب‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬زوجها‭ ‬وأسرتها‭ ‬وتتسم‭ ‬بالأنانية‭.‬

وليس‭ ‬تحيزاً‭ ‬القول‭ ‬إنَّ‭ ‬المرأةَ‭ ‬تُضحي‭ ‬كثيراً‭ ‬بدافعِ‭ ‬عاطفتِها‭ ‬وغريزةِ‭ ‬الأمومة‭ ‬التي‭ ‬تمتازُ‭ ‬بها؛‭ ‬فتتحمل‭ ‬الأذى‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬أبنائها،‭ ‬كما‭ ‬تتسلحُ‭ ‬بالصبر‭ ‬على‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تتعرضُ‭ ‬له،‭ ‬لإرضاءِ‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬ينظرُ‭ ‬للمطلقة‭ ‬نظرةً‭ ‬دونية‭ ‬ويسمُها‭ ‬بوسمِ‭ ‬العار‭.‬

حين‭ ‬تلجأُ‭ ‬المرأةُ‭ ‬أخيراً‭ ‬لطلبِ‭ ‬الطلاق،‭ ‬فليُعْلَم‭ ‬بأنها‭ ‬لجأتْ‭ ‬لكيِّ‭ ‬جراحِها‭ ‬أخيراً‭ ‬كآخرِ‭ ‬العلاج‭. ‬لا‭ ‬تطلبُ‭ ‬المرأة‭ ‬الانفصال‭ ‬وهي‭ ‬الطرفُ‭ ‬الخاسر‭ ‬والحلقة‭ ‬الأضعف،‭ ‬إلاّ‭ ‬لوجودِ‭ ‬أسبابٍ‭ ‬دامغة‭ ‬لا‭ ‬تقبلُ‭ ‬النقد،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يستنكرُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬العلاقة،‭ ‬ويتمعنُ‭ ‬في‭ ‬إذلالها‭ ‬ويميل‭ ‬لإنكارِ‭ ‬طلبها‭ ‬في‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬المؤسسةِ‭ ‬الزوجية‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬أسساها‭ ‬معاً‭ ‬وتبيَّنَ‭ ‬أنها‭ ‬تقومُ‭ ‬على‭ ‬أساساتٍ‭ ‬واهية‭. ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الرجلُ‭ ‬فكرة‭ ‬تخلي‭ ‬امرأته‭ ‬عنه،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬حياتُه‭ ‬معها‭ ‬مستحيلة،‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬يُذيقها‭ ‬ألوانَ‭ ‬الذُلِّ‭ ‬والهوان،‭ ‬فيجنح‭ ‬إلى‭ ‬تعليقها‭ ‬على‭ ‬شماعةِ‭ ‬الزواج‭ ‬المهترئة،‭ ‬فلا‭ ‬هي‭ ‬متزوجةٌ‭ ‬حقاً،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬مطلقة‭ ‬تماماً‭.‬

ويبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬المرأة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن؛‭ ‬فهي‭ ‬التي‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الطلاق‭ ‬والخُلع،‭ ‬متخذةً‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يجرؤ‭ ‬الرجلُ‭ ‬على‭ ‬اتخاذه،‭ ‬وربما‭ ‬تكونُ‭ ‬تلك‭ ‬المبادرةُ‭ ‬الشُجاعةُ‭ ‬من‭ ‬قِبلِ‭ ‬المرأة،‭ ‬مُهينةً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للرجل؛‭ ‬إذْ‭ ‬كيف‭ ‬تتبجحُ‭ ‬الزوجة‭ ‬بطلبِ‭ ‬الخلاصِ‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬نفورها‭ ‬من‭ ‬الذاتِ‭ ‬العلية،‭ ‬التي‭ ‬تنتقمُ‭ ‬منها‭ ‬برفضِ‭ ‬التفريق،‭ ‬فتذرُها‭ ‬كالمعلقة،‭ ‬فلا‭ ‬هي‭ ‬تبدأ‭ ‬حياةً‭ ‬جديدة،‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬تتمتعُ‭ ‬بحقوق‭ ‬الزوجية،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬تجدُ‭ ‬الزوجةُ‭ ‬بُداً‭ ‬من‭ ‬بثِّ‭ ‬شكواها‭ ‬للقضاء‭ ‬وتبدأ‭ ‬مشاوير‭ ‬القضايا‭ ‬والمحاكم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬وسياسة‭ ‬ليِّ‭ ‬الأذرعِ‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الطرفُ‭ ‬الأقوى‭ ‬على‭ ‬الطرفِ‭ ‬الأضعف،‭ ‬والتهم‭ ‬الزائفة‭ ‬التي‭ ‬يُلقى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الزوجة‭ ‬المُعلَّقة،‭ ‬وإجبارها‭ ‬على‭ ‬التنازلِ‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬وربما‭ ‬عن‭ ‬رؤيةِ‭ ‬أبنائها،‭ ‬ولأنَّ‭ ‬القانونَ‭ ‬يخدمه،‭ ‬يظلمُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬المرأةَ‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬أمامها‭ ‬ثغرةٌ‭ ‬تستطيع‭ ‬النفاذ‭ ‬منها،‭ ‬إلا‭ ‬بالتنازل‭ ‬عن‭ ‬كلِّ‭ ‬أو‭ ‬بعضِ‭ ‬حقوقها‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجحيم‭ ‬بالطلاق‭ ‬أو‭ ‬الانتحار‭. ‬المرأة‭ ‬وصية‭ ‬الرجل،‭ ‬فاستوصوا‭ ‬بالنساءِ‭ ‬خيرا،‭ ‬“فإمساكٌ‭ ‬بمعروف‭ ‬أو‭ ‬تسريحٌ‭ ‬بإحسان”‭.‬