بايدن وما أفسده الدهر

| رضي السماك

لم‭ ‬تكن‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬لعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الجمهوري‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬فترة‭ ‬عادية‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الأميركي‭ ‬الحديث،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أشبه‭ ‬بحقبة‭ ‬تاريخية‭ ‬لما‭ ‬أحدثه‭ ‬من‭ ‬انقلاب‭ ‬جذري‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬أشبه‭ ‬بالصدمات‭ ‬غير‭ ‬المعهودة‭ ‬في‭ ‬السياستين‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬عهود‭ ‬الرؤساء‭ ‬الجمهوريين‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬1945،‭ ‬وبنفس‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬اتخذ‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬القرارات‭ ‬وإن‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬قصيرة‭ ‬متباعدة‭ ‬قام‭ ‬سلفه‭ ‬بايدن‭ ‬فور‭ ‬تنصيبه‭ ‬بإلغائها‭ ‬في‭ ‬ثوان‭ ‬بجرة‭ ‬قلم‭ ‬من‭ ‬توقيعه،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭: ‬إعادة‭ ‬تثبيت‭ ‬انضمام‭ ‬أميركا‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬المناخ،‭ ‬عودة‭ ‬الانضمام‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬الدولية،‭ ‬وقف‭ ‬العمل‭ ‬بالجدار‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬المكسيك،‭ ‬إلغاء‭ ‬قرار‭ ‬حظر‭ ‬دخول‭ ‬مواطني‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬إسلامية‭ ‬للبلاد،‭ ‬قرار‭ ‬بحماية‭ ‬أطفال‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬الترحيل‭ ‬وهو‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬صادره‭ ‬ترامب‭.‬

حزمة‭ ‬قرارات‭ ‬بايدن‭ ‬اللاغية‭ ‬لقرارات‭ ‬سلفه‭ ‬وإن‭ ‬قوبلت‭ ‬بترحيب‭ ‬محلي‭ ‬ودولي‭ ‬باعتبارها‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬المعايير‭ ‬الإنسانية،‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬تشمل‭ ‬القرارات‭ ‬الصادمة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يجرؤ‭ ‬أسلافه‭ ‬على‭ ‬اتخاذها‭ ‬ورفضتها‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والسلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ونقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬إليها،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بضم‭ ‬الجولان‭ ‬السوري‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الاستيطان‭ ‬ومباركته‭ ‬صراحة‭ ‬أو‭ ‬ضمنياً،‭ ‬وبهذا‭ ‬ستظل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬بايدن،‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬لن‭ ‬يجرؤ‭ ‬العدول‭ ‬عن‭ ‬مكتسبات‭ ‬جديدة‭ ‬نالتها‭ ‬حليفة‭ ‬بلاده‭ ‬إسرائيل‭. ‬مهما‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬تواجه‭ ‬إصلاحاته‭ ‬الموعودة،‭ ‬فالتركة‭ ‬الترامبية‭ ‬ثقيلة،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬تخفيف‭ ‬وطأة‭ ‬كارثة‭ ‬“كورونا”‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد‭ ‬الممزقة‭ ‬بين‭ ‬اليمين‭ ‬بقاعدته‭ ‬العريضة‭ ‬المشمولة‭ ‬بالفئات‭ ‬العنصرية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬واليسار‭ ‬بمختلف‭ ‬قواه‭ ‬الليبرالية‭ ‬واليسارية‭ ‬الراديكالية‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬الفئات‭ ‬الدُنيا‭ ‬والسود‭. ‬والحق‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬الدهر‭ ‬هو‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬سلفه،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬صعود‭ ‬بلاده‭ ‬كدولة‭ ‬عظمى‭ ‬بما‭ ‬يصعب‭ ‬إصلاحه‭ ‬بقرارات‭ ‬ترقيعية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جذرية‭ ‬تنزع‭ ‬عن‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬صفة‭ ‬الهيمنة‭ ‬داخلياً‭ ‬وخارجياً‭.‬