متعة قاتلة

| هدى حرم

من‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬يشاركُنا‭ ‬الغرسَ‭ ‬من‭ ‬باطنِ‭ ‬الأرض‭ ‬ولا‭ ‬نُدركُ‭ ‬دورَهُ‭ ‬ووجودَه؟‭ ‬نزرعُ‭ ‬الجيدَ‭ ‬من‭ ‬البذور‭ ‬ونرويه‭ ‬بماءِ‭ ‬المُهج،‭ ‬ثم‭ ‬نحصدُ‭ ‬نباتاً‭ ‬هزيلاً‭ ‬بلا‭ ‬ثمر،‭ ‬فكيف‭ ‬يحدثُ‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬كلِ‭ ‬الرعايةِ‭ ‬التي‭ ‬نُوليها‭ ‬لأبنائنا؟‭ ‬إنْ‭ ‬كنتم‭ ‬لا‭ ‬تتفقون‭ ‬معي‭ ‬بأنَّ‭ ‬جِنِّيَ‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الذي‭ ‬يسكنُهم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يغسلُ‭ ‬أدمغتَهم،‭ ‬فأنتم‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬تعيشون‭ ‬في‭ ‬فقاعةٍ‭ ‬خاصةٍ‭ ‬بكم‭ ‬وتُحلِقونَ‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬العالمِ‭ ‬الوردي‭ ‬ولا‭ ‬ترونَ‭ ‬سوادَه،‭ ‬يا‭ ‬أولياءَ‭ ‬الأمورِ‭ ‬المحترمين،‭ ‬أبناؤنا‭ ‬في‭ ‬خطر‭!‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أتصورُ‭ ‬أنَّ‭ ‬العلماءَ‭ ‬والمخترعين‭ ‬الذين‭ ‬ابتكروا‭ ‬الأجهزةَ‭ ‬الكهربائية‭ ‬والإلكترونية‭ ‬كانوا‭ ‬يُضمِرون‭ ‬شراً‭ ‬للبشريةِ‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬بل‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬رغبةً‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬تطويرِ‭ ‬الذات‭ ‬والنهوضِ‭ ‬بالمجتمعات‭ ‬وتذليلِ‭ ‬الصعاب؛‭ ‬بيْدَ‭ ‬أنَّ‭ ‬الوضع‭ ‬المُزري‭ ‬الذي‭ ‬وصلنا‭ ‬إليه،‭ ‬حتَّم‭ ‬علينا‭ ‬الرضوخَ‭ ‬لرغباتِ‭ ‬أبنائنا‭ ‬وتمليكِهم‭ ‬أجهزةً‭ ‬ذكية‭ ‬لا‭ ‬ليتعلموا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬وأجهزة‭ ‬تلفازٍ‭ ‬لا‭ ‬ليُشاهدوا‭ ‬المفيدَ‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬عبرَ‭ ‬شاشاتها،‭ ‬بل‭ ‬ليدمنوا‭ ‬على‭ ‬ألعابٍ‭ ‬إلكترونيةٍ‭ ‬لا‭ ‬فائدةَ‭ ‬تُرجى‭ ‬منها،‭ ‬ولمْ‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمرُ‭ ‬على‭ ‬انعدام‭ ‬الفائدةِ‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تعدَّاها‭ ‬لكونها‭ ‬تحملُ‭ ‬نزعةَ‭ ‬عنفٍ‭ ‬وعداء‭ ‬بالغِ‭ ‬الخطورة‭. ‬هذه‭ ‬الألعابُ‭ ‬القاتلة‭ ‬التي‭ ‬تُشجِعُ‭ ‬أبناءنا‭ ‬على‭ ‬القتلِ‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء‭ ‬وتقطيعِ‭ ‬الأشلاء،‭ ‬هي‭ ‬السببُ‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬اتسامهم‭ ‬بالعدوانية‭ ‬ونزعتهم‭ ‬الشديدة‭ ‬للعنفِ‭ ‬والتنمر‭ ‬والاعتداءِ‭ ‬اللفظي‭ ‬والجسدي‭ ‬على‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬جرائم‭ ‬القتل‭ ‬التي‭ ‬حدثتْ‭ ‬في‭ ‬بعضِ‭ ‬الدول‭ ‬إثرَ‭ ‬انصياعِ‭ ‬المراهقين‭ ‬والأطفال‭ ‬لأوامر‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تحثُّهم‭ ‬على‭ ‬قتلِ‭ ‬شخصٍ‭ ‬ما،‭ ‬فينفذون‭ ‬ذلك‭ ‬كمغسولي‭ ‬الأدمغة‭ ‬للوصولِ‭ ‬إلى‭ ‬مرحلةٍ‭ ‬أعلى‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬والشعور‭ ‬بالغلبة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لعجزهم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أثناء‭ ‬اللعب‭.‬

وتبقى‭ ‬الرقابةُ‭ ‬الأبوية‭ ‬والرعايةُ‭ ‬المجتمعية‭ ‬الدرع‭ ‬الحصين‭ ‬لأبنائنا‭ ‬للحيلولةِ‭ ‬من‭ ‬وقوعِهم‭ ‬في‭ ‬جُبِّ‭ ‬الاستغلال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬والشذوذِ‭ ‬الجنسي‭ ‬وانتزاعِ‭ ‬القيم‭ ‬والإساءةِ‭ ‬للدين‭ ‬والذاتِ‭ ‬الإلهية‭ ‬وتدنيس‭ ‬المقدسات،‭ ‬وحماية‭ ‬لجيلِ‭ ‬الغد‭ ‬ووقايةً‭ ‬لمستقبلِ‭ ‬أمتنا‭ ‬من‭ ‬السوسِ‭ ‬الرقمي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينفكُّ‭ ‬ينخرُ‭ ‬في‭ ‬جُدران‭ ‬أُسرِنا‭ ‬ومجتمعاتِنا،‭ ‬نهيبُ‭ ‬بالمسؤولين‭ ‬تشديد‭ ‬الرقابةِ‭ ‬على‭ ‬محتوى‭ ‬تلك‭ ‬الألعاب‭ ‬وفحصها‭ ‬قبل‭ ‬أنْ‭ ‬يُمنح‭ ‬مروجوها‭ ‬رخصةَ‭ ‬الاتجارِ‭ ‬بها‭ ‬وتسويقها،‭ ‬وحظرِ‭ ‬المواقع‭ ‬الأجنبيةِ‭ ‬التي‭ ‬تمنحُ‭ ‬المشتركينَ‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬والمراهقين‭ ‬حقَّ‭ ‬تحميلِ‭ ‬تلك‭ ‬الألعابِ‭ ‬القاتلة‭.‬