ياسمينيات

أين المنطق والمبرر؟

| ياسمين خلف

علياء‭ ‬المعاقة‭ ‬ذهنياً،‭ ‬والتي‭ ‬جفت‭ ‬عيون‭ ‬والدتها‭ ‬من‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬وهي‭ ‬تتوجس‭ ‬خيفة‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يتكفل‭ ‬برعايتها،‭ ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬تحركاً‭ ‬جادًا‭ ‬يطمئنها‭ ‬ويجد‭ ‬لها‭ ‬مخرجاً‭ ‬مما‭ ‬هي‭ ‬فيه،‭ ‬ويؤمن‭ ‬لها‭ ‬مقراً‭ ‬أو‭ ‬داراً‭ ‬للإيواء،‭ ‬فحجة‭ ‬أحد‭ ‬المراكز‭ ‬المختصة‭ ‬التابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬العمل‭ ‬والتنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أن‭ ‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يجيز‭ ‬قبول‭ ‬أخوين‭ ‬في‭ ‬الدار،‭ ‬وعلياء‭ ‬لها‭ ‬أخ‭ ‬يعيش‭ ‬فيها،‭ ‬فلا‭ ‬يحق‭ ‬لها‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬للإيواء‭! ‬ولتجد‭ ‬لها‭ ‬مكاناً‭ ‬آخر‭!‬

هل‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نقبل‭ ‬بهذا‭ ‬الشرط‭ ‬غير‭ ‬المنطقي؟‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قبول‭ ‬شقيقين‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬واحدة،‭ ‬لترك‭ ‬المجال‭ ‬لأسرة‭ ‬أخرى؟‭ ‬نعم‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الجميع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الفرصة،‭ ‬والطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬لا‭ ‬تسع‭ ‬الجميع،‭ ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬“لكن”‭ ‬في‭ ‬الحيز‭ ‬الإنساني،‭ ‬فهناك‭ ‬معايير‭ ‬أخرى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُؤخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬بأن‭ ‬الشرط‭ ‬الوحيد‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يُقبل‭ ‬شقيقان‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬واحدة،‭ ‬فهناك‭ ‬عوائل‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬معاق‭ ‬واحد‭ ‬ذهنياً،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬عوائل‭ ‬أخرى‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬واحد،‭ ‬وهنا‭ ‬ستكون‭ ‬مسؤولية‭ ‬رعايتهم‭ ‬أكثر‭ ‬إرهاقاً،‭ ‬واستنزافاً‭ ‬لكل‭ ‬طاقة‭ ‬ممكنة‭ ‬لأهاليهم،‭ ‬كأم‭ ‬علياء‭ ‬التي‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أماً‭ ‬لثلاثة‭ ‬معاقين‭ ‬ذهنياً،‭ ‬إذ‭ ‬يجب‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الاعتبار‭ ‬كذلك‭ ‬حال‭ ‬الأسر‭ ‬المادية،‭ ‬وأوضاعها‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬الأسر‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬معاق‭ ‬واحد،‭ ‬وظروفها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬ببقاء‭ ‬ابنها‭ ‬في‭ ‬كنفها،‭ ‬ستكون‭ ‬الأولوية‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬الأسرة‭ ‬ذات‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأصعب،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬معاق،‭ ‬كأم‭ ‬علياء‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬لا‭ ‬تدرك‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬وتعاني‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬ذاكرة‭ ‬تنسى‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬هي؟‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬أصلاً‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬ابنة‭ ‬اسمها‭ ‬علياء‭ ‬وبحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رعايتها‭.  ‬

يجب‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الاعتبار‭ ‬كذلك،‭ ‬خطورة‭ ‬بقاء‭ ‬علياء‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإناث‭ ‬المعاقات‭ ‬ذهنياً‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬ورعاية،‭ ‬فخروجهن‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬يجعلهن‭ ‬لقمة‭ ‬سائغة‭ ‬للذئاب‭ ‬البشرية،‭ ‬ولسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭. ‬

 

ياسمينة‭:

‬مازالت‭ ‬علياء‭ ‬تنتظر‭ ‬الرحمة‭ ‬الإنسانية‭.‬