التعليم العالي (٤ من ٤)

| د. عبدالله الحواج

كنا‭ ‬قد‭ ‬تطرقنا‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬حلقات‭ ‬سابقة‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬“يكون‭ ‬أو‭ ‬يكون”،‭ ‬وليس‭ ‬يكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يكون،‭ ‬ذلك‭ ‬انه‭ ‬الخيار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬غيره،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬خيار‭ ‬التعليم‭ ‬العالي،‭ ‬التعليم‭ ‬الراقي،‭ ‬التعليم‭ ‬والتعلم،‭ ‬المعرفة‭ ‬والإبداع،‭ ‬هي‭ ‬صنوان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحضرة،‭ ‬وصمام‭ ‬الأمان‭ ‬للمجتمعات‭ ‬المستنيرة،‭ ‬وحجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لنهضة‭ ‬الكون‭ ‬من‭ ‬عثراته‭ ‬وجوائحه‭. ‬وكنا‭ .. ‬قد‭ ‬تطرقنا‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬والمحاور‭ ‬والمرئيات،‭ ‬أهمها‭ ‬استقلالية‭ ‬الجامعات،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬تلك‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬التسويق‭ ‬الأمثل‭ ‬لجامعاتنا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقليم،‭ ‬دور‭ ‬الحكومات،‭ ‬وإرادة‭ ‬الجامعات،‭ ‬ومستويات‭ ‬جودة‭ ‬برامجها‭ ‬ومناهجها‭ ‬علميًا‭ ‬ومؤسسيًا‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬نختتم‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬المناخ‭ ‬والبيئة،‭ ‬التشريعات‭ ‬والفرص‭. ‬واللوائح‭ ‬المرعية،‭ ‬المكان‭ ‬والمكانة‭ ‬التي‭ ‬بلغتها‭ ‬جامعاتنا‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخاصة‭ ‬والأهلية‭. ‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬وسيظل‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬التعاطي،‭ ‬بل‭ ‬وعلى‭ ‬طاولة‭ ‬المباحثات‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬فرصة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬هناك؛‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬جناحي‭ ‬“الطير”‭ ‬إلى‭ ‬أشده‭ ‬ليحلق‭ ‬نحو‭ ‬عنان‭ ‬السماء‭ ‬ويصبح‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬بمثابة‭ ‬مركز‭ ‬الإشعاع‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬تنوير‭ ‬المجتمع‭ ‬والنهوض‭ ‬بمنتجه‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتصويب‭ ‬مساراته‭ ‬وتعميق‭ ‬آلياته‭ ‬وتطوير‭ ‬أدواته‭. ‬

عندما‭ ‬خرج‭ ‬الكتاب‭ ‬الأول‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬مؤخرا،‭ ‬فإن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬عظمة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬جامعاتها،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قدمته‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬لبلادها‭ ‬من‭ ‬بحوث‭ ‬علمية‭ ‬تحاكي‭ ‬قضايا‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتعالج‭ ‬قضاياه‭ ‬اليومية‭ ‬المستعصية‭ ‬جعلها‭ ‬تضع‭ ‬قدمها‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬شديدة‭ ‬الوعورة‭ ‬والخصوبة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬لإنبات‭ ‬للفكر‭ ‬الحضاري‭ ‬النهضوي،‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالفخر‭ ‬الذي‭ ‬أبداه‭ ‬رئيس‭ ‬القوة‭ ‬الأعظم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بجامعات‭ ‬بلاده‭ ‬الخاصة‭ ‬قبل‭ ‬العامة‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬إيلاء‭ ‬جامعاتنا‭ ‬التشجيع‭ ‬الواجب‭ ‬لتكون‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬قطار‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬ووصلت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬النجومية‭ ‬والتفوق‭ ‬مما‭ ‬وضع‭ ‬بلاده‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬تماما‭ ‬عما‭ ‬عاداه‭ ‬من‭ ‬أمم‭ ‬وبلدان،‭ ‬ولعلي‭ ‬أذكر‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬جامعات‭ ‬خاصة‭ ‬مثل‭ ‬هارفارد‭ ‬وستاتفورد‭ ‬وديوك‭ ‬وبرينستون‭ ‬وام‭ ‬اي‭ ‬تي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إيجاد‭ ‬للعلاجات‭ ‬الناجعة‭ ‬للمشكلات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقضايا‭ ‬البشرية‭ ‬والكونية‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬التغيرات‭ ‬البيئية،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الجوائح‭ ‬والأوبئة،‭ ‬والوقوف‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والميداني‭ ‬والمعملي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬بجلاء‭ ‬عن‭ ‬استثمار‭ ‬المجتمع‭ ‬لكافة‭ ‬طاقاته‭ ‬المتوفرة،‭ ‬ومنح‭ ‬هذه‭ ‬الطاقات‭ ‬هامشًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والحرية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والفرز‭ ‬والإتاحة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬وثورات‭ ‬علمية‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬معظمه‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نشهد‭ ‬اليوم‭ ‬انطلاقة‭ ‬جديدة‭ ‬بقيادة‭ ‬شابة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬حيث‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الرائع‭ ‬أن‭ ‬نلعب‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬محيطنا‭ ‬الإقليمي‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬جامعاتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬والحكومية‭ ‬المؤهلة‭ ‬للقيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬بكل‭ ‬دقة‭ ‬وإحكام‭. ‬

يبقي‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مناخ‭ ‬الاستثمار‭ ‬مهيأ‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية‭ ‬بحيث‭ ‬يسمح‭ ‬لتدفقات‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬المحلية‭ ‬والأجنبية‭ ‬بأن‭ ‬تضاعف‭ ‬تواجدها‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬جامعاتنا؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توسيع‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬لهذه‭ ‬الجامعات‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الاعتمادية‭ ‬وتتمتع‭ ‬بمعدلات‭ ‬جودة‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬ومعتبرة‭ ‬وتحاكي‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العالمية‭. ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬جامعاتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬أحاديثه‭ ‬عن‭ ‬روية‭ ‬‮٢٠٣٠‬،‭ ‬وعن‭ ‬خطة‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية‭ ‬المستدامة‭ ‬يوكد‭ ‬علي‭ ‬ضرورة‭ ‬التحقق‭ ‬لهذه‭ ‬الروية‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والخدمات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والبنيوية‭ ‬واللوجستية‭ ‬الأخوي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬بكثير‭.‬