سوالف

أسلوب محمود المردي

| أسامة الماجد

كان‭ ‬أسلوب‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الخاص‭ ‬يقترن‭ ‬بين‭ ‬مكانته‭ ‬ومكانة‭ ‬“الجريدة”،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬المردي‭ ‬من‭ ‬الرهبان‭ ‬فعلا،‭ ‬من‭ ‬رهبان‭ ‬الصحافة،‭ ‬ففيما‭ ‬عدا‭ ‬أوقات‭ ‬النوم‭ ‬وأوقات‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحضرها‭ ‬خارج‭ ‬الجريدة،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬إلا‭ ‬وراء‭ ‬مكتبه‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬وأطراف‭ ‬النهار،‭ ‬يجيء‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬ويروحون‭ ‬فوجا‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬مرابط‭ ‬وراء‭ ‬مكتبه‭ ‬لا‭ ‬يبارحه،‭ ‬نعم‭ ‬لم‭ ‬أعاصر‭ ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬كصحافي‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬والدي،‭ ‬إنما‭ ‬قابلته‭ ‬حينما‭ ‬كنت‭ ‬طفلا‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬وهذه‭ ‬قصة‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬من‭ ‬أحاديث‭ ‬الوالد‭ ‬وأساتذة‭ ‬الصحافة‭ ‬الذين‭ ‬عملوا‭ ‬معه،‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يدخلك‭ ‬في‭ ‬لباس‭ ‬المهابة‭ ‬عندما‭ ‬تقف‭ ‬أمامه‭ ‬ويريك‭ ‬قوافل‭ ‬رؤيا‭ ‬التعلم‭ ‬ويسكنك‭ ‬مملكة‭ ‬المثابرة‭ ‬ويعطيك‭ ‬جرعات‭ ‬من‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمسؤولية‭.‬

في‭ ‬العدد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬“أضواء‭ ‬الخليج”‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬2‭ ‬نوفمبر‭ ‬1969‭ ‬كتب‭ ‬والدنا‭ ‬محمد‭ ‬الماجد‭ ‬موضوعا‭ ‬طويلا‭ ‬بعنوان‭ ‬“مرة‭ ‬مع‭ ‬الأضواء‭ ‬ومرة‭ ‬مع‭ ‬أضواء‭ ‬الخليج”‭ ‬تحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬صدور‭ ‬العدد‭ ‬الأول‭ ‬وكيفية‭ ‬دخوله‭ ‬الصحافة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المردي‭ ‬وإسناد‭ ‬إدارة‭ ‬التحرير‭ ‬له‭ ‬وزواجه‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬بالصحافة،‭ ‬وفي‭ ‬فقرة‭ ‬ذكر‭ ‬أسلوب‭ ‬المردي‭ ‬الخاص‭ ‬والنادر‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬ومساندة‭ ‬أبنائه‭ ‬العاملين‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬الجريدة،‭ ‬فيقول‭: ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬كنت‭ ‬أغضب‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬هجران‭ ‬الصحافة‭ ‬ومتاعب‭ ‬الصحافة،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬ساعات‭ ‬يطلبني‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬مكتبه،‭ ‬ويلقي‭ ‬علي‭ ‬أوامره‭.. ‬ما‭ ‬أخبار‭ ‬الموضوع‭ ‬الفلاني‭.. ‬إليك‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الجديد،‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬إعلان‭ ‬فلان‭.. ‬و‭.. ‬و‭.. ‬يعقب‭ ‬ذلك‭ ‬بابتسامة‭ ‬صافية‭ ‬تجعلني‭ ‬أنسى‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬دوما‭ ‬وأبدا‭ ‬كنت‭ ‬متفاهما‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وأنا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬أفتخر‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬حين‭ ‬يعاتبني‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬قصرت‭ ‬فيه،‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬“أنت‭ ‬الرجل‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬الجريدة”،‭ ‬تجارب‭ ‬كثيرة‭ ‬مرت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس،‭ ‬تعلمت‭ ‬منها‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬وجعلتني‭ ‬أحب‭ ‬عملي‭ ‬كحبي‭ ‬لإنسان‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لغيره‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬في‭ ‬وجهي‭ ‬أبواب‭ ‬الروعة‭.. ‬محمود‭ ‬المردي‭ ‬حين‭ ‬يثور‭ ‬يبدو‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬شيئا‭ ‬اسمه‭ ‬الطيبة‭ ‬والتسامح‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬الطيبة‭ ‬والتسامح‭ ‬بحيث‭ ‬أنك‭ ‬تنسى‭ ‬ثورته‭ ‬وغضبه‭ ‬لأول‭ ‬ابتسامة‭ ‬يستقبلك‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬أول‭ ‬نكتة‭ ‬يفاجئك‭ ‬بها،‭ ‬لحظتها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تحبه،‭ ‬وتحبه‭ ‬فقط‭.‬