حِسُّ المسؤولية... غائبٌ غيرُ مُستتِر

| هدى حرم

لا‭ ‬أذكرُ‭ ‬أنَّ‭ ‬آباءَنا‭ ‬احتاجوا‭ ‬لاستقدامِ‭ ‬خدمٍ‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمالِ‭ ‬المنزل،‭ ‬أو‭ ‬استخدموا‭ ‬سائقاً‭ ‬لقضاءِ‭ ‬مشاويرهم‭ ‬اليومية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بنَّاء‭ ‬ليبني‭ ‬منازلهم‭ ‬أو‭ ‬يقومَ‭ ‬بترميمها،‭ ‬كانوا‭ ‬يعتمدونَ‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬إنهاءِ‭ ‬أعمالهم،‭ ‬وكانت‭ ‬الفتياتُ‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬خيرُ‭ ‬معين‭ ‬لأمهاتهن،‭ ‬والصبيةُ‭ ‬يقومون‭ ‬بأعمالِ‭ ‬الصيانة‭ ‬والترميم‭ ‬مع‭ ‬آبائهم،‭ ‬كان‭ ‬الجيرانُ‭ ‬يُدْعونَ‭ ‬لأعمال‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جارهم‭ ‬بجدٍ‭ ‬ونشاط‭ ‬وبلا‭ ‬مقابل،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فلمْ‭ ‬يعدْ‭ ‬الشبابُ‭ ‬أهلاً‭ ‬للمسؤولية،‭ ‬بل‭ ‬أصبحوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صغيرةٍ‭ ‬وكبيرةٍ‭ ‬على‭ ‬ذويهم،‭ ‬بدل‭ ‬أنْ‭ ‬يعتمدوا‭ ‬همْ‭ ‬عليهم،‭ ‬فكيف‭ ‬وصلَ‭ ‬بنا‭ ‬الحالُ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬الآن؟

“إنَّ‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يغير‭ ‬ما‭ ‬بقومٍ‭ ‬حتى‭ ‬يُغيّروا‭ ‬ما‭ ‬بأنفسهم”،‭ ‬فقد‭ ‬تبدَّلَ‭ ‬الحالُ‭ ‬مع‭ ‬الطفرة‭ ‬الصناعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬اكتشافُ‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وازدادَ‭ ‬دخلُ‭ ‬الفرد‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً،‭ ‬فتمدَّدَ‭ ‬العمرانُ‭ ‬وتوسعت‭ ‬دائرةُ‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬وطرأتْ‭ ‬الحاجةُ‭ ‬لاستقدامِ‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬بالمنازل‭ ‬والمؤسساتِ‭ ‬الخاصة‭ ‬والحكومية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬العمالةِ‭ ‬للقيام‭ ‬بأعمالنا‭ ‬وحمَّلناهم‭ ‬مسؤولياتٍ‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صُلبِ‭ ‬مسؤولياتنا،‭ ‬ثم‭ ‬جعلنا‭ ‬نشتكي‭ ‬البِطالة،‭ ‬ونتباكى‭ ‬على‭ ‬جيلٍ‭ ‬لا‭ ‬يملكُ‭ ‬حسَّ‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تربَّى‭ ‬مُنعماً‭ ‬على‭ ‬دلالِ‭ ‬الوالدين،‭ ‬مخدوماً‭ ‬مُرفهاً‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الخدمِ‭ ‬والحشم،‭ ‬ولمْ‭ ‬يقتصر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬بل‭ ‬تعداها‭ ‬للتعليم،‭ ‬فصار‭ ‬الوالدان‭ ‬يستقدمان‭ ‬العمالةَ‭ ‬بالمنزل‭ ‬لتقومَ‭ ‬بالتعليم‭ ‬والتربية‭ ‬كذلك،‭ ‬كيف‭ ‬بالله‭ ‬قد‭ ‬يتحملُ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبناء‭ ‬مسؤوليةَ‭ ‬أعمالِ‭ ‬المنزل‭ ‬ومعاونة‭ ‬الوالدين،‭ ‬وهم‭ ‬عاجزونَ‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬الاعتمادِ‭ ‬على‭ ‬أنفسِهم‭ ‬في‭ ‬أتفهِ‭ ‬الأمورِ‭ ‬اليومية‭.‬

وإنْ‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرةُ‭ ‬“غيابِ‭ ‬الحِسِّ‭ ‬المسؤول”‭ ‬عامةً‭ ‬تفشتْ‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تبدو‭ ‬واضحةً‭ ‬جليةً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نُكرانها‭ ‬لدى‭ ‬جيلِ‭ ‬الشباب‭ ‬الذي‭ ‬ينأى‭ ‬بنفسهِ‭ ‬عن‭ ‬الاضطلاعِ‭ ‬بأي‭ ‬نوعٍ‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬المسؤولية،‭ ‬فتجدهُ‭ ‬مُحجِماً‭ ‬عن‭ ‬المشاركةِ‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التطوعية‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬شكلُها،‭ ‬ناهيكَ‭ ‬عن‭ ‬انعدامِ‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬تحملِ‭ ‬المسؤولية‭ ‬تجاهَ‭ ‬أمتهِ‭ ‬ووطنهِ،‭ ‬هؤلاء‭ ‬العاقُّونَ‭ ‬لآبائهم‭ ‬وأوطانهم،‭ ‬هم‭ ‬أيضاً‭ ‬عازفونَ‭ ‬عن‭ ‬تحملِ‭ ‬مسؤوليةِ‭ ‬زوجٍ‭ ‬وأبناء،‭ ‬مفضلينَ‭ ‬الحريةَ‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عُشِ‭ ‬الزوجية‭ ‬القائمِ‭ ‬على‭ ‬العهودِ‭ ‬الوثيقةِ‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭. ‬ولكي‭ ‬لا‭ ‬نظلمَ‭ ‬فئةً‭ ‬وننسى‭ ‬أخرى،‭ ‬فكلُنا‭ ‬بِتْنا‭ ‬نفتقرُ‭ ‬لهذا‭ ‬الحس،‭ ‬ونمضي‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬الخاصةِ‭ ‬لا‭ ‬نُعيرُ‭ ‬اهتماماً‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المجتمعِ‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬نرى‭ ‬المنكرَ‭ ‬ولا‭ ‬نُدافعه،‭ ‬والمعروفَ‭ ‬فلا‭ ‬نُشجعُ‭ ‬عليه،‭ ‬وباتت‭ ‬شؤونُ‭ ‬الآخرين‭ ‬لا‭ ‬تعنينا،‭ ‬وحاجةُ‭ ‬الفقيرِ‭ ‬لا‭ ‬تُهمنا،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الجارِ‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬اهتماماتنا‭. ‬“ما‭ ‬يخصنا”،‭ ‬هي‭ ‬العبارةُ‭ ‬التي‭ ‬تكشفُ‭ ‬بجلاءٍ‭ ‬غياب‭ ‬حِسِّنا‭ ‬بالمسؤوليةِ‭ ‬تجاهَ‭ ‬الآخر‭ ‬غياباً‭ ‬غيرَ‭ ‬مُستتر‭.‬