نقطة ارتكاز

أهمية القمة الخليجية

| د. غسان محمد عسيلان

نعرف‭ ‬القصة‭ ‬التراثية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تُحكى‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬جمع‭ ‬أولادَه‭ ‬حولَه‭ ‬قُبيل‭ ‬موته،‭ ‬ثم‭ ‬أَعطى‭ ‬كلًّا‭ ‬منهم‭ ‬عودًا،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬واحدٍ‭ ‬أن‭ ‬يكسر‭ ‬العود‭ ‬الذي‭ ‬معه‭ ‬فكسره‭ ‬بيسر‭ ‬وسهولة،‭ ‬ثم‭ ‬أحضر‭ ‬لهم‭ ‬مجموعةً‭ ‬من‭ ‬الأعواد‭ ‬مربوطةً‭ ‬في‭ ‬حزمةٍ‭ ‬واحدةٍ،‭ ‬وطلب‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬واحدٍ‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يكسر‭ ‬هذه‭ ‬الحزمة‭ ‬فعجزوا‭ ‬جميعًا‭ ‬عن‭ ‬كسرها،‭ ‬وهنا‭ ‬ظهرت‭ ‬حكمة‭ ‬الأب‭ ‬لأولاده،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬يظلوا‭ ‬متحدين‭ ‬متجمعين‭ ‬يدًا‭ ‬واحدة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬أعداؤهم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكسروهم‭ ‬أو‭ ‬ينالوا‭ ‬منهم‭. ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬الأشعار‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قول‭ ‬الشاعر‭: ‬كونُوا‭ ‬جميعَاً‭ ‬يا‭ ‬بَنِيَّ‭ ‬إِذا‭ ‬اعتَرى‭.. ‬خَطْبٌ‭ ‬ولا‭ ‬تتفرقُوا‭ ‬آحادَا،‭ ‬تأبَى‭ ‬الرِمَاحُ‭ ‬إِذا‭ ‬اجتمعْنَ‭ ‬تكسُّراً‭.. ‬وإِذا‭ ‬افترقْنَ‭ ‬تكسَّرتْ‭ ‬أفرادَا‭.‬

وما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬يُنكر‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬والتوحُّد‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬شعوب‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬فالتعاون‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬يحقِّق‭ ‬لها‭ ‬القوة‭ ‬والمَنعة،‭ ‬ويردع‭ ‬أعداءها‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬عليها،‭ ‬ويحمي‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬النيل‭ ‬منهم‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬ثرواتهم‭ ‬وخيراتهم‭. ‬وكما‭ ‬نعلم‭ ‬فإن‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬تمثِّل‭ ‬مطمعًا‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬تتصارع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الطاقة،‭ ‬وتعاون‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وتضافر‭ ‬الجهود‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬يوفِّر‭ ‬لها‭ ‬الحماية‭ ‬والأمن،‭ ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الانقسام‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬يُضعف‭ ‬قوتها،‭ ‬ويُذهِب‭ ‬رهبتها‭ ‬من‭ ‬نفوس‭ ‬أعدائها،‭ ‬وهذا‭ ‬لن‭ ‬يفيد‭ ‬أحدًا،‭ ‬ولن‭ ‬يجني‭ ‬من‭ ‬يشذ‭ ‬عن‭ ‬الإجماع‭ ‬الخليجي‭ ‬إلا‭ ‬الضعف‭ ‬والوهن‭. ‬والحق‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬من‭ ‬أواصر‭ ‬وروابط‭ ‬كثيرٌ‭ ‬جدًا،‭ ‬فهناك‭ ‬علاقات‭ ‬المصاهرة‭ ‬والقربى‭ ‬بين‭ ‬القبائل‭ ‬وبعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬بلدانه؛‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يتأتى‭ ‬حرص‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬وتماسك‭ ‬ومَنَعَة‭ ‬هذا‭ ‬المجلس،‭ ‬وأهمية‭ ‬وضرورة‭ ‬جمع‭ ‬الكلمة‭ ‬وتوحيد‭ ‬الصف‭ ‬بين‭ ‬أعضائه،‭ ‬لما‭ ‬يربط‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬خاصة،‭ ‬وسمات‭ ‬مشتركة‭ ‬أساسها‭ ‬العقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ووحدة‭ ‬الهدف‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬لقد‭ ‬قطع‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬مسيرةً‭ ‬حافلة‭ ‬زاخرة‭ ‬بالنجاحات،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬نُحافظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تمَّ‭ ‬إحرازه‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬ونبني‭ ‬عليه،‭ ‬تحقيقًا‭ ‬لآمال‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬نحو‭ ‬مزيدٍ‭ ‬من‭ ‬التطور‭ ‬والرخاء‭ ‬والازدهار،‭ ‬ووقوف‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬صفًا‭ ‬واحدًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬منها‭. ‬

لقد‭ ‬فرح‭ ‬الجميع‭ ‬بنجاح‭ ‬القمة‭ ‬الحادية‭ ‬والأربعين‭ ‬لدول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬مؤخَّرًا‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬العُلا‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬رأب‭ ‬الصدع؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬له‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬أمن‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬وصون‭ ‬استقرارها،‭ ‬وتأمين‭ ‬سلامتها،‭ ‬وحماية‭ ‬مصالح‭ ‬مواطنيها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬يستبشرون‭ ‬خيرًا‭ ‬بأن‭ ‬نتائج‭ ‬القمة‭  ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬أبلغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬بيئة‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مستقرة‭ ‬تعزز‭ ‬رفاهية‭ ‬جميع‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬وتحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬والتكامل‭ ‬والترابط‭ ‬بينها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الميادين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬مسيرة‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬دُوله‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬وخصوصا‭ ‬المجال‭ ‬الاقتصادي‭.‬