خامنئي... واللقاحات “المُحرّمة”

| صالح القلاب

منذ‭ ‬البدايات‭ ‬المبكرة‭ ‬أصبح‭ ‬“فيروس‭ ‬كورونا”‭ ‬آفة‭ ‬كونية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬تحميل‭ ‬مسؤولية‭ ‬بداياتها‭ ‬لا‭ ‬للصين‭ ‬الشعبية‭ ‬ولا‭ ‬لغيرها،‭ ‬وعليه‭ ‬فإنّ‭ ‬التصدّي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تفتك‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأيضاً‭ ‬بريطانيا‭ ‬“العظمى”‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬متقدمة‭ ‬وكبرى،‭ ‬بات‭ ‬عالمياً،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬اللقاحات‭ ‬الأميركية‭ ‬والبريطانية‭ ‬وأيضاً‭ ‬الروسية‭ ‬والصينية‭ ‬هي‭ ‬لقاحات‭ ‬شاملة‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬أنّ‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أصبح‭ ‬بحجم‭ ‬برتقالة‭ ‬وأصغر‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يحقُّ‭ ‬لأيّة‭ ‬دولة‭ ‬تسييس‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬ورفض‭ ‬أيّ‭ ‬علاج‭ ‬أميركي‭ ‬أو‭ ‬بريطاني‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬علاج‭ ‬“إمبريالي”‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬الاستنجاد‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬استخدامه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬البلاء‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يهدد‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬ويرعب‭ ‬كل‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

وحقيقة‭ ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬استرعى‭ ‬إثارة‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬المرشد‭ ‬“الأعلى”‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬وأنْ‭ ‬“يمنع‭ ‬ويحظر”‭ ‬اللقاحات‭ ‬الأميركية‭ ‬والبريطانية‭ ‬المضادة‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يفتك‭ ‬حتى‭ ‬بالدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬كلها‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬وفرنسا‭ ‬وباقي‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭.‬

والغريب‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتميّز‭ ‬على‭ ‬رموز‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ثورة‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬بوسطيته‭ ‬واعتداله‭ ‬وانفتاحه‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليسارية‭ ‬والعلمانية‭ ‬قد‭ ‬“تغيّر”‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬وتجاوز‭ ‬حتى‭ ‬روح‭ ‬الله‭ ‬الخميني‭ ‬بتشدده‭ ‬وعدائه‭ ‬لكل‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يسيرون‭ ‬على‭ ‬نهجه‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬والتنظيمات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬“المرشد”‭ ‬السابق‭ ‬قد‭ ‬اختطف‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الثورة‭ ‬والانقلاب‭ ‬على‭ ‬الشاهنشاه‭ ‬محمد‭ ‬رضا‭ ‬بهلوي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬الإيرانيون‭ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬قواهم‭ ‬السياسية،‭ ‬السابقة‭ ‬واللاحقة،‭ ‬يتحسّرون‭ ‬على‭ ‬عهده‭ ‬ويتمنون‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬أفشل‭ ‬هذه‭ ‬“الخمينيّة”‭ ‬التي‭ ‬أوصلت‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العظيم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬انحطاطٍ‭ ‬سياسي‭ ‬واستبداد‭ ‬همجي‭ ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭.‬

وهنا‭ ‬فإنه‭ ‬لابدّ‭ ‬من‭ ‬التساؤل‭: ‬لماذا‭ ‬يا‭ ‬ترى‭ ‬وصل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المعمّمين‭ ‬المعتدلين‭ ‬والوسطيّين‭ ‬والبعض‭ ‬يقول‭ ‬و”اليساريين”‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬وإلى‭ ‬حدِّ‭ ‬أنه‭ ‬أصدر‭ ‬“فتوى”‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬أوامر‭ ‬عسكرية‭ ‬بمنع‭ ‬اللقاحات‭ ‬المضادة‭ ‬لـ‭ ‬“فيروس‭ ‬كورونا”‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا؟‭!‬

والغريب‭ ‬أنّ‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بهذا‭ ‬الذي‭ ‬أفتى‭ ‬به‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬قال‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬بثّه‭ ‬التلفزيون‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬“لقد‭ ‬أبلغت‭ ‬المسؤولين‭ ‬بذلك‭ ‬وأقوله‭ ‬علناً‭ ‬الآن”،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬مخالفين‭ ‬لقراره‭ ‬هذا،‭ ‬وأنّ‭ ‬من‭ ‬فتكت‭ ‬بهم‭ ‬هذه‭ ‬الآفه‭ ‬اللعينة‭ ‬لم‭ ‬يلتزموا‭ ‬بما‭ ‬قال،‭ ‬وأغلب‭ ‬الظن‭ ‬أنّ‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأنّ‭ ‬مرشدهم‭ ‬قد‭ ‬حرّم‭ ‬عليهم‭ ‬ما‭ ‬حلّله‭ ‬لنفسه‭ ‬وأنه‭ ‬إذا‭ ‬هاجمته‭ ‬هذه‭ ‬“الجائحة”‭ ‬وفتكت‭ ‬به‭ ‬فإنه‭ ‬سيناشد‭ ‬الأميركيين‭ ‬والبريطانيين‭ ‬بأن‭ ‬يسعفوه‭ ‬بما‭ ‬حرّمه‭ ‬على‭ ‬شعبه‭. ‬“إيلاف”‭.‬