السلام الإبراهيمي... إبراهيمنا وإبراهيمهم

| عبدالنبي الشعلة

مضت‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬تقريبًا‭ ‬منذ‭ ‬توقيع‭  ‬“اتفاقات‭ ‬أبراهام”‭ ‬التاريخية،‭ ‬التي‭ ‬شملت‭ ‬معاهدة‭ ‬سلام‭ ‬بين‭ ‬الإمارات‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬و”إعلان‭ ‬تأييد‭ ‬السلام”‭ ‬بين‭ ‬الأخيرة‭ ‬والبحرين،‭ ‬وأصبحت‭ ‬بذلك‭ ‬الإمارات‭ ‬والبحرين‭ ‬ثالث‭ ‬ورابع‭ ‬دولتين‭ ‬عربيتين‭ ‬تطبعان‭ ‬علاقاتهما‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬ومع‭ ‬الأردن‭ ‬عام‭ ‬1994‭.‬

وفي‭ ‬حفل‭ ‬توقيع‭ ‬الاتفاقات،‭ ‬أوجز‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬البحرين‭ ‬عبداللطيف‭ ‬بن‭ ‬راشد‭ ‬الزياني‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬توقيعها‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬“الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عانى‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬ما‭ ‬تسبّب‭ ‬بالدمار‭ ‬وعاق‭ ‬إمكانات‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬شبابنا”،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬الفرصة‭ ‬أصبحت‭ ‬سانحة‭ ‬لتغيير‭ ‬ذلك،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬سيكون‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وقد‭ ‬جاءت‭ ‬تلك‭ ‬الاتفاقات‭ ‬لتعكس‭ ‬واقعًا‭ ‬وقناعات‭ ‬جديدة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تجارب‭ ‬مريرة‭ ‬قاسى‭ ‬منها‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬كافة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولتمثل‭ ‬أيضًا‭ ‬انعطافًا‭ ‬وتحولاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬غَيَّر‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وفلسفة‭ ‬الصراع‭ ‬فيها،‭ ‬وأعاد‭ ‬تموضع‭ ‬أطرافه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جعل‭ ‬منظومة‭ ‬العلاقات‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬تاريخية،‭ ‬وترتكز‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الروحية‭ ‬المشتركة‭ ‬للأديان‭ ‬السماوية‭ ‬الثلاثة‭ ‬الكبرى؛‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية‭ ‬والإسلام‭.‬

وما‭ ‬دمنا‭ ‬قد‭ ‬قبلنا‭ ‬بوضع‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الإيمان‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬أرساه‭ ‬سيدنا‭ ‬وجدنا‭ ‬المشترك‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وجعلنا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الإيمان‭ ‬مرجعيتنا،‭  ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬والإسقاطات‭ ‬لهذه‭ ‬التسمية‭ ‬تصبح‭ ‬واردة‭ ‬أو‭ ‬محتملة،‭ ‬ويجب‭ ‬أخذها‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار،‭ ‬أهمها‭ ‬إدراك‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬نظرة‭ ‬المسلمين‭ ‬ونظرة‭ ‬اليهود‭ ‬لمكانة‭ ‬سيدنا‭ ‬إبراهيم‭ ‬وتقواه‭ ‬وما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬وقناعات‭ ‬وسلوكيات‭.‬

وينسب‭ ‬اليهود‭ ‬والمسلمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬إبراهيم‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬جدهم‭ ‬الأكبر‭ ‬المشترك،‭ ‬إذ‭ ‬يؤمن‭ ‬اليهود‭ ‬بأن‭ ‬إبراهيم‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬ابنه‭ ‬إسحاق،‭ ‬ويؤمن‭ ‬المسلمون‭ ‬بأن‭ ‬محمدا‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬ابنه‭ ‬الآخر‭ ‬إسماعيل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المسيحيين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يدعوا‭ ‬النسب‭ ‬أو‭ ‬القرابة‭ ‬ذاتها،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عيسى‭ ‬المسيح‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬إبراهيم‭ ‬وهو‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمسيحيين‭ ‬إله‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬أب‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬للنبي‭ ‬إبراهيم‭ ‬منزلة‭ ‬ومكانة‭ ‬مرموقة‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬والتبجيل‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬السماوية‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وأن‭ ‬اليهود‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬الأب‭ ‬المؤسس‭ ‬لهم‭ ‬كدين‭ ‬وكأمة،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة‭ ‬بالله‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬علاقتهم‭ ‬به‭ ‬مما‭ ‬أهلهم‭ ‬لأن‭ ‬يكونوا‭ ‬“شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار”‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إبراهيم،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المسلمين،‭ ‬يتمتع‭ ‬بحفاوة‭ ‬أعمق،‭ ‬ويتبوأ‭ ‬مكانة‭ ‬أكرم‭ ‬وأرفع‭ ‬مقارنة‭ ‬بمكانته‭ ‬عند‭ ‬اليهود،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬69‭ ‬موضعًا،‭ ‬بينما‭ ‬ذكر‭ ‬نبينا‭ ‬الأعظم‭ ‬عليه‭ ‬أفضل‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬فقط‭.‬

كما‭ ‬يعتبر‭ ‬المسلمون‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم‭ ‬أقرب‭ ‬الأنبياء‭ ‬إلى‭ ‬نبيهم،‭ ‬وخصوه‭ ‬بصلاة‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ‭ ‬“الصلاة‭ ‬الإبراهيمية”‭ ‬عندما‭ ‬يقولون‭ ‬“اللهم‭ ‬صلي‭ ‬على‭ ‬محمد‭ ‬وآل‭ ‬محمد،‭ ‬كما‭ ‬صليت‭ ‬على‭ ‬إبراهيم‭ ‬وآل‭ ‬إبراهيم”‭.‬

ويغدق‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬إبراهيم‭ ‬صفات‭ ‬وألقاب‭ ‬لا‭ ‬يغدقها‭ ‬على‭ ‬نبينا‭ ‬الأكرم،‭ ‬ويرفعه‭ ‬إلى‭ ‬مكانة‭ ‬“أبو‭ ‬الرسل‭ ‬والأنبياء”‭ ‬الذي‭ ‬“جعلنا‭ ‬في‭ ‬ذريته‭ ‬النبوة‭ ‬والكتاب”،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬الخمسة‭ ‬الذين‭ ‬يوصفون‭ ‬بـ‭ ‬“أولي‭ ‬العزم”‭ ‬لجَلدهم‭ ‬وتقواهم‭ ‬وصبرهم؛‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭: ‬“فاصبر‭ ‬كما‭ ‬صبر‭ ‬أولوا‭ ‬العزم‭ ‬من‭ ‬الرسل”‭.‬

ويؤمن‭ ‬المسلمون‭ ‬بأن‭ ‬إبراهيم‭ ‬جمع‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬كل‭ ‬الصفات‭ ‬النبوية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الحميدة،‭ ‬واعتبروه‭ ‬“أُمَّة”‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭: ‬“إن‭ ‬إبراهيم‭ ‬كان‭ ‬أمَّة‭ ‬قانتاً‭ ‬لله‭ ‬حنيفاً‭ ‬ولم‭ ‬يك‭ ‬من‭ ‬المشركين”‭.‬

وهو‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمسلمين‭ ‬“خليل‭ ‬الله”؛‭ ‬والخليل‭ ‬هو‭ ‬الصديق،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬بينما‭ ‬ارتكزت‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬مكانة‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬لكونه‭ ‬عبدًا‭ ‬صالحًا‭ ‬له،‭ ‬أحبه‭ ‬واصطفاه‭ ‬لرسالته‭.‬

ويؤمن‭ ‬المسلمون‭ ‬بأن‭ ‬إبراهيم‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬أعاد‭ ‬بناء‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬مع‭ ‬ابنه‭ ‬إسماعيل،‭ ‬وقال‭ ‬تعالى‭: ‬“وَإِذْ‭ ‬يَرْفَعُ‭ ‬إِبْراهِيمُ‭ ‬الْقَواعِدَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْبَيْتِ‭ ‬وَإِسْماعِيلُ”،‭ ‬ويقع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬“مقام‭ ‬إبراهيم”‭ ‬بجانب‭ ‬الكعبة‭ ‬وهو‭ ‬الحجر‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬إبراهيم‭ ‬من‭ ‬عليه‭ ‬بالأذان‭ ‬والنداء‭ ‬للحج‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

وينظر‭ ‬المسلمون‭ ‬إلى‭ ‬إبراهيم‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬الرائد‭ ‬والمؤسس‭ ‬للإسلام،‭ ‬امتثالًا‭ ‬لقوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬“مَا‭ ‬كَانَ‭ ‬إِبْرَاهِيمُ‭ ‬يَهُودِيًّا‭ ‬وَلاَ‭ ‬نَصْرَانِيًّا‭ ‬وَلَكِن‭ ‬كَانَ‭ ‬حَنِيفًا‭ ‬مُّسْلِمًا‭ ‬وَمَا‭ ‬كَانَ‭ ‬مِنَ‭ ‬الْمُشْرِكِينَ”‭.‬

وقد‭ ‬انفرد‭ ‬الإسلام‭ ‬بين‭ ‬الديانات‭ ‬الإبراهيمية‭ ‬الثلاث‭ ‬بقصة‭ ‬قيام‭ ‬إبراهيم‭ ‬بتكسير‭ ‬الأصنام‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قومه‭ ‬يعبدونها،‭ ‬ما‭ ‬أغضبهم،‭ ‬فأعدوا‭ ‬له‭ ‬نارًا‭ ‬عظيمة‭ ‬ألقوه‭ ‬فيها‭ ‬لحرقه‭ ‬والتخلص‭ ‬منه،‭ ‬ولكن‭ ‬الله‭ ‬أنجاه‭ ‬منها‭: ‬“قُلْنَا‭ ‬يَانَارُ‭ ‬كُونِي‭ ‬بَرْدًا‭ ‬وَسَلَامًا‭ ‬عَلَى‭ ‬إِبْرَاهِيمَ”‭.‬

والذين‭ ‬يؤمنون‭ ‬بـ‭ ‬“عصمة‭ ‬الأنبياء”‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬فإنهم‭ ‬يضفونها‭ ‬بكل‭ ‬فيض‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم‭ ‬أيضًا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بمبدأ‭ ‬عصمة‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬منزهون‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬الكبائر‭ ‬والصغائر،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬نسبوا،‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬أقدس‭ ‬كتبهم‭ ‬وهو‭ ‬التوراة،‭ ‬إلى‭ ‬جدهم‭ ‬إبراهيم‭ ‬وأبو‭ ‬أنبيائهم،‭ ‬أفعالًا‭ ‬وصفات‭ ‬ذميمة‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬أو‭ ‬تليق‭ ‬أو‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬مقام‭ ‬النبوة‭ ‬والصدق‭ ‬والتقوى،‭ ‬منها‭ ‬أنهم‭ ‬جعلوا‭ ‬الصِّلة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬إبراهيم‭ ‬وربِّه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وبينه‭ ‬وبين‭ ‬سائر‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المنافع‭ ‬الدنيويَّة،‭ ‬كما‭ ‬تَذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أسفارهم‭.‬

ويعتقد‭ ‬المسلمون‭ ‬بأن‭ ‬التوراة‭ ‬التي‭ ‬يقدسها‭ ‬اليهود‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحريفها،‭ ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬إنها‭ ‬تتضمن‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬السامية‭ ‬والوصايا‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الفاضلة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تحتوي‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬قصص‭ ‬ومواقف‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬أوجه‭ ‬وحالات‭ ‬واضحة‭ ‬من‭ ‬الأنانية‭ ‬والانحلال‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والزنا‭ ‬وفساد‭ ‬المحارم‭ ‬والخيانات‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬انبياء‭ ‬وشخصيات‭ ‬مقدسة‭ ‬قد‭ ‬اقترفتها،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬قبلها،‭ ‬والعياذ‭ ‬بالله،‭ ‬فها‭ ‬هو‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم،‭ ‬يكذب‭ ‬والعياذ‭ ‬بالله‭ ‬أيضًا،‭ ‬وسمح‭ ‬لغيره‭ ‬بمضاجعة‭ ‬زوجته‭ ‬سارة‭ ‬مرتين؛‭ ‬الأولى‭ ‬عندما‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وادعى‭ ‬أن‭ ‬زوجته‭ ‬سارة‭ ‬هي‭ ‬أخته،‭ ‬ووافق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬زوجة‭ ‬للفرعون،‭ ‬لقاء‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التوراة،‭ ‬سفر‭ ‬التكوين،‭ ‬الإصحاح‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭: ‬“13‭ ‬قولي‭ ‬إنك‭ ‬أختي،‭ ‬ليكون‭ ‬لي‭ ‬خير‭ ‬بسببك‭ ‬وتحيا‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬أجلك،‭ ‬14‭ ‬فحدث‭ ‬لما‭ ‬دخل‭ ‬إبراهيم‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬رأوا‭ ‬المرأة‭ ‬أنها‭ ‬حسنة‭ ‬جدًا،‭ ‬15‭ ‬ورآها‭ ‬رؤساء‭ ‬فرعون‭ ‬ومدحوها‭ ‬لدى‭ ‬فرعون،‭ ‬فأُخذت‭ ‬المرأة‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬فرعون،‭ ‬16‭ ‬فصنع‭ ‬إلى‭ ‬إبراهيم‭ ‬خيرًا‭ ‬بسببها،‭ ‬وصار‭ ‬له‭ ‬غنم‭ ‬وبقر‭ ‬وحمير‭ ‬وعبيد‭ ‬وإماء‭ ‬وأُتن‭ ‬وجمال،‭ ‬17‭ ‬فضرب‭ ‬الرب‭ ‬فرعون‭ ‬وبيته‭ ‬ضربات‭ ‬عظيمة‭ ‬بسبب‭ ‬سارة‭ ‬امرأة‭ ‬إبراهيم،‭ ‬18‭ ‬فدعا‭ ‬فرعون‭ ‬إبراهيم‭ ‬وقال‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬صنعت‭ ‬بي؟‭ ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تخبرني‭ ‬أنها‭ ‬امرأتك؟،‭ ‬19‭ ‬لماذا‭ ‬قلت‭: ‬هي‭ ‬أختي،‭ ‬حتى‭ ‬أخذتها‭ ‬لي‭ ‬لتكون‭ ‬زوجتي؟‭ ‬والآن‭ ‬هوذا‭ ‬امرأتك‭ ‬خذها‭ ‬واذهب”‭.‬

والمرة‭ ‬الثانية‭ ‬تخلى‭ ‬عنها‭ ‬لـ‭ ‬“أبيمالك”‭ ‬ملك‭ ‬جَرار،‭ ‬كما‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬الإصحاح‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬سفر‭ ‬التكوين‭: ‬2‭ ‬وقال‭ ‬إبراهيم‭ ‬عن‭ ‬سارة‭ ‬امرأته‭: ‬هي‭ ‬أختي‭. ‬فأرسل‭ ‬أبيمالك‭ ‬ملك‭ ‬جرار‭ ‬وأخذ‭ ‬سارة‭. ‬3‭ ‬فجاء‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬أبيمالك‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬الليل‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬ميت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬أخذتها،‭ ‬فإنها‭ ‬متزوجة‭ ‬ببعل،‭ ‬4‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أبيمالك‭ ‬قد‭ ‬اقترب‭ ‬منها،‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬سيد‭ ‬أَأُمَّةٌ‭ ‬بارَّةً‭ ‬تَقْتُلُ؟‭ ‬5‭ ‬ألم‭ ‬يقل‭ ‬هو‭ ‬لي‭: ‬إنها‭ ‬أختي،‭ ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬نفسها‭ ‬قالت‭ ‬هو‭ ‬أخي؟”‭.‬

والتوراة‭ ‬تخبرنا‭ ‬أيضًا‭ ‬بأن‭ ‬نزاعًا‭ ‬وخلافًا‭ ‬نشبا‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أنبياء‭ ‬الله‭ ‬الصالحين؛‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم‭ ‬نفسه،‭ ‬وابن‭ ‬أخيه‭ ‬النبي‭ ‬لوط‭ ‬حول‭ ‬مسائل‭ ‬وأمور‭ ‬مادية‭ ‬متعلقة‭ ‬بالمراعي‭ ‬وحقوق‭ ‬الرعي‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬افتراقهما‭.‬

وما‭ ‬دمنا‭ ‬قد‭ ‬ذكرنا‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬لوط،‭ ‬ابن‭ ‬أخ‭ ‬جدنا‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم،‭ ‬فمن‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطته‭ ‬بابنتيه‭ ‬حسب‭ ‬السرد‭ ‬التوراتي،‭ ‬فما‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الإصحاح‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سفر‭ ‬التكوين‭.‬

وكما‭ ‬رأينا‭ ‬فإن‭ ‬ثمة‭ ‬فروقات‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬والسلوكيات‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬جدنا‭ ‬المشترك‭ ‬النبي‭ ‬إبراهيم،‭ ‬وتناقضات‭ ‬حادة‭ ‬وواضحة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التوراة‭ ‬المقدسة؛‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬مراعاتها‭ ‬وأخذها‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أمرًا‭ ‬ضروريًا‭ ‬وملحًا‭ ‬عند‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الجديدة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬في‭ ‬القالب‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬عند‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقات‭ ‬التطبيع‭.‬