المرأةُ الذكية... نعمةٌ أمْ نقمة؟

| هدى حرم

هل‭ ‬يخافُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬الذكية‭ ‬ويتحاشى‭ ‬الاقترانَ‭ ‬بها،‭ ‬وهل‭ ‬يُفضلُ‭ ‬المرأةَ‭ ‬الجاهلةَ‭ ‬الصامتة‭ ‬حقاً؟‭ ‬مِمَ‭ ‬عساهُ‭ ‬يخافُ‭ ‬الرجل،‭ ‬أمِنْ‭ ‬ذكاءِ‭ ‬المرأة،‭ ‬أمْ‭ ‬من‭ ‬دهائها‭ ‬الفطري؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬خلايا‭ ‬الدماغ‭ ‬لدى‭ ‬الرجل‭ ‬أكثرَ‭ ‬لكبرِ‭ ‬حجمِ‭ ‬دماغه‭ ‬مقارنةً‭ ‬بحجم‭ ‬الدماغِ‭ ‬لدى‭ ‬المرأة،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يُفقدهُ‭ ‬ثقتَهُ‭ ‬بخلاياه‭ ‬ويجعله‭ ‬يتوجسُ‭ ‬خِيفةً‭ ‬من‭ ‬العملياتِ‭ ‬الكيميائية‭ ‬العقليةِ‭ ‬في‭ ‬دماغِ‭ ‬المرأة‭ ‬الأصغر‭ ‬حجماً؟

أغلبُ‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتِنا‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬عقدة‭ ‬الغلبة؛‭ ‬فيعتقدُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬بأهمية‭ ‬غلبتهِ‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬فكرياً‭ ‬ومادياً،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يجوزُ‭ ‬للمرأةِ‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الرجل‭ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬أرفعَ‭ ‬منه‭ ‬مستوىً‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والذكاء،‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬الرجلَ‭ ‬تستثيرهُ‭ ‬فكرةُ‭ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬أُنثاهُ‭ ‬ذاتَ‭ ‬منصبٍ‭ ‬عالٍ‭ ‬أو‭ ‬مرتبةٍ‭ ‬اجتماعية‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬مرتبته‭ ‬هو،‭ ‬فتراهُ‭ ‬يُجهدُ‭ ‬نفسه‭ ‬ليصلَ‭ ‬لمستواها،‭ ‬بل‭ ‬ليفُوقها‭ ‬علماً‭ ‬ومنزلة‭ ‬حتى‭ ‬يصلَ‭ ‬لمرحلة‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمانِ‭ ‬والثقة‭.‬

وقد‭ ‬يمتلكُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬العذرَ‭ ‬في‭ ‬نظرتهِ‭ ‬المرتعبة‭ ‬تلك‭ ‬للمرأةِ‭ ‬الذكية،‭ ‬فالرجل‭ ‬يخشى‭ ‬على‭ ‬مكانته‭ ‬داخلَ‭ ‬الأسرة‭ ‬التي‭ ‬يرى‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يجوزُ‭ ‬للمرأة‭ ‬أنْ‭ ‬تُهددها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تفوقتْ‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬نسبةِ‭ ‬الذكاء‭ ‬والفطنة‭. ‬المرأة‭ ‬الذكية‭ ‬بحسبِ‭ ‬الرجل‭ ‬تُشعرهُ‭ ‬بضآلته،‭ ‬فتدبُ‭ ‬الخلافاتُ‭ ‬بينه‭ ‬وبينها،‭ ‬وترجعُ‭ ‬عقدةُ‭ ‬تفوق‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬للمجتمع‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬ينظرُ‭ ‬للرجل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أهمُ‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ودوره‭ ‬الأسري،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المحبذ‭ ‬أنْ‭ ‬تتفوقَ‭ ‬عليه‭. ‬إنَّ‭ ‬تفوقَ‭ ‬المرأة‭ ‬فكرياً‭ ‬يُشعر‭ ‬الرجلَ‭ ‬بفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭ ‬ويُوقعه‭ ‬في‭ ‬الحرج،‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬أمام‭ ‬أبنائه‭. ‬ذكاءُ‭ ‬المرأةِ‭ ‬الفائق‭ ‬قد‭ ‬يجعله‭ ‬يتوجسُ‭ ‬خِيفةً‭ ‬من‭ ‬تحليلاتها‭ ‬لتحركاته‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬سبْرِ‭ ‬أغوارِ‭ ‬عقله‭ ‬الباطن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يُفضلُ‭ ‬فيه‭ ‬الرجل‭ ‬إبقاءَ‭ ‬هالةٍ‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬على‭ ‬تصرفاته‭ ‬ومشاعره،‭ ‬ويزعمُ‭ ‬الرجلُ‭ ‬أنَّ‭ ‬ذكاءَ‭ ‬امرأتهِ‭ ‬قد‭ ‬يُجهِزُ‭ ‬على‭ ‬البقيةِ‭ ‬المتبقية‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬لديه‭.‬

بيدَ‭ ‬أنَّ‭ ‬المرأة‭ ‬العبقريةَ‭ ‬تُعدُ،‭ ‬حسبَ‭ ‬التجارب،‭ ‬من‭ ‬أجزلِ‭ ‬العطايا‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يمنُ‭ ‬اللهُ‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الرجل؛‭ ‬فهي‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬والأبقى‭ ‬على‭ ‬العشرة،‭ ‬لأنها‭ ‬تُعمِلُ‭ ‬فكرها‭ ‬لا‭ ‬قلبها‭ ‬وحده،‭ ‬لتصلَ‭ ‬للقراراتِ‭ ‬الصائبة‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الخلاف؛‭ ‬فلا‭ ‬تميلُ‭ ‬للتهور‭ ‬وإنهاءِ‭ ‬العلاقات‭ ‬لأتفه‭ ‬الأسباب‭. ‬المرأة‭ ‬الذكيةُ‭ ‬هي‭ ‬الأقدرُ‭ ‬على‭ ‬تدبيرِ‭ ‬شؤونِ‭ ‬منزلها‭ ‬وأبنائها،‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الحاجةِ‭ ‬الدائمة‭ ‬للرجل،‭ ‬وهي‭ ‬الطموحةُ‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬برجُلها‭ ‬لمزيدٍ‭ ‬من‭ ‬النجاح‭ ‬وترسمُ‭ ‬لنفسها‭ ‬أهدافاً‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تعملُ‭ ‬على‭ ‬تحقيقها،‭ ‬فهي‭ ‬مستقلةٌ‭ ‬بذاتها،‭ ‬منشغلةٌ‭ ‬بأمورِها‭ ‬عن‭ ‬قضِّ‭ ‬مضجعِ‭ ‬شريكها‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬النساء،‭ ‬لا‭ ‬تكسرُها‭ ‬الظروف،‭ ‬ولا‭ ‬تُشغِلُ‭ ‬الرجلَ‭ ‬بضعفها،‭ ‬لامتلاكها‭ ‬القوةَ‭ ‬اللازمةَ‭ ‬لترميم‭ ‬كسورها‭ ‬والنهوض‭ ‬مجدداً،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يلجأُ‭ ‬لها‭ ‬الرجل‭ ‬عند‭ ‬اشتدادِ‭ ‬المحن‭ ‬ويعتمدُ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حلِ‭ ‬المشكلات،‭ ‬ويضعُ‭ ‬معها‭ ‬الخططَ‭ ‬لمشاريعَ‭ ‬مشتركة‭ ‬ويتبادلُ‭ ‬معها‭ ‬الأفكارَ‭ ‬والمشاعرَ‭ ‬لينسِجا‭ ‬معاً‭ ‬نسيجاً‭ ‬متناغماً‭ ‬من‭ ‬الحبِ‭ ‬والوئام‭ ‬والعشرةِ‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتأتى‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬امرأةٍ‭ ‬جاهلة،‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مبررٍ‭ ‬بعدُ‭ ‬للخوفِ‭ ‬من‭ ‬مخالبِ‭ ‬الذكاءِ‭ ‬الناعمة؟‭.‬