نقطة ارتكاز

العرب وحصاد 2020م (2)

| د. غسان محمد عسيلان

شهد‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬رحيل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬زعمائه‭ ‬البارزين‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬سلطان‭ ‬عُمان‭ ‬الذي‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬مع‭ ‬المرض،‭ ‬كما‭ ‬توفي‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬السابق‭ ‬حُسني‭ ‬مبارك‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬أجريت‭ ‬له،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الجابر‭ ‬الصباح‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬عن‭ ‬عمرٍ‭ ‬ناهز‭ ‬91‭ ‬عامًا‭ ‬بعد‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬كذلك‭.‬

وربما‭ ‬كان‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬الأسوأ‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدولة‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيقة‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬فيها؛‭ ‬إذ‭ ‬شهدت‭ ‬العاصمة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بيروت‭ ‬انفجارًا‭ ‬ضخمًا‭ ‬في‭ ‬مرفئها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬2020م،‭ ‬ووقع‭ ‬الانفجار‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مخازن‭ ‬المرفأ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يضم‭ ‬شحنة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬مادة‭ ‬“نترات‭ ‬الأمونيوم”‭ ‬وخلَّف‭ ‬حُفرةً‭ ‬عرضها‭ ‬نحو‭ ‬140‭ ‬مترا‭ ‬امتلأت‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬بمياه‭ ‬البحر،‭ ‬وشهد‭ ‬المرفأ‭ ‬والأحياء‭ ‬القريبة‭ ‬منه‭ ‬دمارًا‭ ‬هائلًا،‭ ‬وفي‭ ‬غضون‭ ‬دقائق‭ ‬سويت‭ ‬المستودعات‭ ‬وصوامع‭ ‬الحبوب‭ ‬والغلال‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بالأرض،‭ ‬كما‭ ‬انهارت‭ ‬الأبنية‭ ‬والمنازل‭ ‬المحيطة‭ ‬بموقع‭ ‬الانفجار،‭ ‬ولقي‭ ‬نحو‭ ‬140‭ ‬شخصًا‭ ‬مصرعهم،‭ ‬وأصيب‭ ‬المئات‭ ‬بجروح،‭ ‬وشهدت‭ ‬منطقة‭ ‬الميناء‭ ‬دمارًا‭ ‬مروعًا‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬الانفجار‭.‬

ولم‭ ‬تنتهِ‭ ‬سنة‭ ‬2020م‭ ‬حتى‭ ‬فاجأتنا‭ ‬بريطانيا‭ ‬بظهور‭ ‬سلالات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬أسرع‭ ‬انتشارًا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الإصابات‭ ‬بالفيروس‭ ‬في‭ ‬بريطانيا؛‭ ‬ما‭ ‬اضطر‭ ‬السلطات‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬الإغلاق‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬أصبحت‭ ‬معزولة‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬مجددًا،‭ ‬وذلك‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬السلالات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ترافق‭ ‬ظهورها‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬أخذ‭ ‬الناس‭ ‬لقاح‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬لكن‭ ‬السلالات‭ ‬الجديدة‭ ‬ألقت‭ ‬مخاوف‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬اللقاح‭ ‬فائدته‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬السلالات‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الفيروس‭.‬

وأدى‭ ‬الانتشار‭ ‬لسلالة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬الاختلاط‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬ودفع‭ ‬ذلك‭ ‬عشرات‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬سلطاتُها‭ ‬إجراءات‭ ‬إغلاق‭ ‬وتباعد‭ ‬اجتماعي‭ ‬مشددة‭ ‬لمكافحة‭ ‬تفشي‭ ‬الفيروس‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬أثناء‭ ‬الموجة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬الجائحة،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السلالة‭ ‬الجديدة‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬من‭ ‬السلالة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ (‬كوفيد‭ - ‬19‭)‬،‭ ‬لذا‭ ‬يخيِّمُ‭ ‬الخوف‭ ‬مجددًا‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

ورغم‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تركها‭ ‬عام‭ ‬2020م‭ ‬في‭ ‬وجداننا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التفاؤل،‭ ‬فرغم‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة‭ ‬البائسة‭ ‬عالميًّا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬آثارها‭ ‬السلبية‭ ‬أقل‭ ‬حِدةً‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬كما‭ ‬تمكنت‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬آثار‭ ‬الجائحة،‭ ‬وهناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬إيجابية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬عام‭ ‬2021م‭ ‬سيكون‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أفضل‭ ‬وأكثر‭ ‬خيرًا‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومن‭ ‬بشائر‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬انعقاد‭ ‬القمة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬العُلا‭ ‬السعودية،‭ ‬ودعوة‭ ‬الشقيقة‭ ‬مصر‭ ‬لحضور‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يُبشر‭ ‬بتعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية،‭ ‬وتجاوز‭ ‬البيت‭ ‬الخليجي‭ ‬والعربي‭ ‬بعض‭ ‬متاعبه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬