محفوظة...

| د.حورية الديري

كعادة‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬جديد‭ ‬تأتي‭ ‬الأفكار‭ ‬وتروح‭.. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يقيّم‭ ‬ويرصد‭ ‬نجاحاته،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يتقاعس‭ ‬ويؤجل‭ ‬إنجازاته،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يخطط‭ ‬وتتوالى‭ ‬نجاحاته‭. ‬

وهنا‭ ‬راودتني‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬وبدأ‭ ‬الحوار‭ ‬الذاتي‭ ‬حول‭ ‬ماذا؟‭ ‬ولماذا؟‭ ‬ولم‭ ‬لا؟‭ ‬وكي‭ ‬تكون‭ ‬الغلبة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الحوار‭ ‬لم‭ ‬أتردد‭ ‬عن‭ ‬استحضار‭ ‬أوراقي‭ ‬التي‭ ‬يخطها‭ ‬قلمي‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬مخططاتي‭ ‬الشخصية،‭ ‬وقد‭ ‬تكررت‭ ‬فيها‭ ‬عبارة‭ ‬“علاقات‭ ‬مميزة‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬ذوي‭ ‬خبرة”‭ ‬ورافقتها‭ ‬وجوه‭ ‬تعبيرية‭ ‬مبتسمة،‭ ‬تراجعت‭ ‬قليلاً‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬كي‭ ‬أربط‭ ‬عنصر‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وأجمع‭ ‬المغزى،‭ ‬فوجدت‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬“محفوظة‭ ‬رحمها‭ ‬الله”‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬كما‭ ‬يعرفها‭ ‬الكثيرون‭ ‬ممن‭ ‬عاصروها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الجميلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بالصبر‭ ‬والدقة‭ ‬والحزم‭ ‬والجدية‭ ‬والصدق‭ ‬اللامتناهي‭ ‬والعطاء‭ ‬اللامحدود،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دماثة‭ ‬الروح،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬ميزة‭ ‬جعلتها‭ ‬تبدع‭ ‬في‭ ‬نثر‭ ‬أبلغ‭ ‬الحكم‭.‬

محفوظة‭ ‬هي‭ ‬السيدة‭ ‬التي‭ ‬لازمتها‭ ‬منذ‭ ‬ولادتي،‭ ‬ورسخت‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬جعلتني‭ ‬أعيش‭ ‬مراحل‭ ‬استباقية‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬وحذوت‭ ‬حذوها‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬جعلتني‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة،‭ ‬فكانت‭ ‬الشخصية‭ ‬المحنكة‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تربيتها‭ ‬لأولادها‭ ‬وإدارتها‭ ‬منزلها‭ ‬وأعمالها،‭ ‬كانت‭ ‬شخصية‭ ‬قيادية‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتقبل‭ ‬مرور‭ ‬يومي‭ ‬دون‭ ‬رؤيتها،‭ ‬وكلما‭ ‬سافرَتْ‭ ‬أكون‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬حتى‭ ‬ترجع‭ ‬وأغوص‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬غنائمها‭ ‬التي‭ ‬تميزني‭ ‬دائمًا‭.‬

ومن‭ ‬محفوظة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬المباشر،‭ ‬تصدرت‭ ‬العلاقات‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وارتبطت‭ ‬بشخصيات‭ ‬ذات‭ ‬خبرة‭ ‬وحكمة،‭ ‬فأجوَدْ‭ ‬صداقاتي‭ ‬أصنعها‭ ‬بمن‭ ‬يفوقني‭ ‬عمرًا،‭ ‬وفعلاً‭ ‬رسمت‭ ‬لي‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬أجده‭ ‬اليوم‭ ‬منهاجًا‭ ‬مميزًا‭.‬

مغزى‭ ‬الأمر‭ ‬أيها‭ ‬القراء‭ ‬الأعزاء‭ ‬أنني‭ ‬أدركت‭ ‬اليوم‭ ‬وأنا‭ ‬أتصفح‭ ‬الأوراق‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬تحليل‭ ‬لبعض‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬محفوظة‭ ‬كانت‭ ‬مَدرستي‭ ‬الحقيقية،‭ ‬لأنني‭ ‬ابنتها‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬البنات‭ ‬اللاتي‭ ‬لم‭ ‬تنجبهن،‭ ‬وليعذرني‭ ‬أولادها‭ ‬من‭ ‬الصبيان‭ ‬هنا‭ ‬لأنني‭ ‬من‭ ‬محفوظة‭ ‬اكتسبت‭ ‬معنى‭ ‬الحياة‭ ‬وقيمتها،‭ ‬وتعلمت‭ ‬منها‭ ‬كيف‭ ‬أكون‭ ‬اليوم،‭ ‬متجددة‭ ‬بما‭ ‬رسخَتْ‭ ‬وأسسَتْ‭.‬

أعزائي‭ ‬القراء‭ ‬أجزم‭ ‬بوجود‭ ‬شخصية‭ ‬محفوظة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكثيرين،‭ ‬لذا‭ ‬ابحثوا‭ ‬في‭ ‬حياتكم‭ ‬عن‭ ‬المعلم،‭ ‬عن‭ ‬الموجه،‭ ‬عن‭ ‬القدوة،‭ ‬عن‭ ‬الإرث‭ ‬العظيم،‭ ‬عن‭ ‬محفوظة‭.. ‬اجمعوا‭ ‬تجاربهم‭ ‬وحكمهم‭ ‬وصيغوا‭ ‬منها‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬وفرة،‭ ‬ستجدون‭ ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬حياة‭ ‬لحياتكم‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭.‬