ومضة قلم

رواد التنوير في البحرين

| محمد المحفوظ

لم‭ ‬يعد‭ ‬إنجاز‭ ‬بحث‭ ‬جاد‭ ‬ورصين‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬أشبه‭ ‬برحلة‭ ‬بحرية‭ ‬لصيد‭ ‬السمك،‭ ‬بل‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬للمشي‭ ‬فوق‭ ‬حقل‭ ‬من‭ ‬الألغام،‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬–‭ ‬الباحث‭ ‬–‭ ‬متى‭ ‬تنفجر‭ ‬الألغام‭ ‬في‭ ‬جسده،‭ ‬فرشق‭ ‬الباحثين‭ ‬بالتهم‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬بات‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬يشرع‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬البحث،‭ ‬فتظل‭ ‬التهم‭ ‬تلاحقه‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬بحثه‭ ‬بين‭ ‬يد‭ ‬القراء،‭ ‬أما‭ ‬المفارقة‭ ‬المثقلة‭ ‬بالسخرية‭ ‬والألم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬أن‭ ‬التهم‭ ‬تسدد‭ ‬للباحث‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصافح‭ ‬عيون‭ ‬البعض‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربيّ‭.‬

بالأيام‭ ‬الفائتة‭ ‬فاجأنا‭ ‬الباحث‭ ‬الدكتور‭ ‬نادر‭ ‬كاظم‭ ‬بنتاجه‭ ‬الجديد‭ ‬“الشيخ‭ ‬والتنوير”‭ ‬الذي‭ ‬تجاوزت‭ ‬عدد‭ ‬صفحاته‭ ‬520‭ ‬صفحة،‭ ‬وتناول‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬حركة‭ ‬التنوير‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ممثلة‭ ‬بثلاثة‭ ‬من‭ ‬الروّاد‭ ‬الأوائل‭ ‬وهم‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬والشيخ‭ ‬قاسم‭ ‬خنجي‭ ‬وناصر‭ ‬خيري،‭ ‬وحدد‭ ‬لها‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وشخصيا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬نهض‭ ‬بها‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرواد‭ ‬الثلاثة‭ ‬إبان‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬عن‭ ‬الحركات‭ ‬التنويرية‭ ‬التي‭ ‬اكتسحت‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬والتي‭ ‬غيّرت‭ ‬مصير‭ ‬العالم،‭ ‬أقول‭ ‬هذا‭ ‬قياسا‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬السائد‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬وما‭ ‬اتسمت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬جمود‭ ‬ظل‭ ‬مهيمنا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬صاحب‭ ‬فكر‭ ‬تنويري‭ ‬ينوي‭ ‬إزاحة‭ ‬ركام‭ ‬الجهل‭ ‬عن‭ ‬العقول‭ ‬أو‭ ‬أستار‭ ‬الظلام‭ ‬عنها‭.‬

حركة‭ ‬التنوير‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬شرارتها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬مثلت‭ ‬نقلة‭ ‬حضارية‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬كانت‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬إخراج‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬المزرية‭ ‬إلى‭ ‬آفاق‭ ‬رحبة،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بأنّ‭ ‬حركة‭ ‬التنوير‭ ‬تأخرت‭ ‬كثيرا‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬ليس‭ ‬مجالها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العجالة‭.‬

الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬مثّل‭ ‬–‭ ‬طبقا‭ ‬للباحث‭ - ‬القاعدة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬ارتكز‭ ‬عليها‭ ‬مشروع‭ ‬التنوير‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وتحلق‭ ‬حوله‭ ‬معظم‭ ‬أبناء‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العصريين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الحديث‭ ‬نظرا‭ ‬للمكانة‭ ‬التي‭ ‬تبوأها‭ ‬بفضل‭ ‬ريادته‭ ‬الشعرية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬ومطالعاته‭ ‬العديدة‭ ‬للمجلات‭ ‬والصحف‭ ‬العصرية‭ ‬وإسهاماته‭ ‬الثقافية‭.‬