زبدة القول

الإعلام واستثمار الرعب

| د. بثينة خليفة قاسم

منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬تصدم‭ ‬العالم‭.. ‬احذروا‭ ‬الوباء‭ ‬القادم،‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬والتي‭ ‬قبلها‭ ‬انتشرتا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬اليومين‭ ‬الماضيين‭ ‬واستخدمتا‭ ‬عنوانا‭ ‬لنفس‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬يتعلق‭ ‬بتصريحات‭ ‬لمدير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬أدهانوم‭ ‬غيبريوس،‭ ‬وعندما‭ ‬نقرأ‭ ‬بقية‭ ‬الخبر‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬نقرأ‭ ‬تصريحات‭ ‬مدير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الخبر‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالعنوان‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬فالعنوان‭ ‬مجرد‭ ‬جملة‭ ‬اجتزئت‭ ‬وانتزعت‭ ‬من‭ ‬سياقها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬محرر‭ ‬الخبر‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الجذب‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التخويف‭ ‬وبث‭ ‬الرعب‭ ‬حول‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬أعصاب‭ ‬البشر‭.‬

وكان‭ ‬مضمون‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬صاحبه‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬فرضا‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬كالتالي‭: ‬أن‭ ‬مدير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬يدعو‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬لأن‭ ‬العالم‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديه‭ ‬استعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬التي‭ ‬سببت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سياق‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬وسطه‭ ‬جملة‭ ‬قالها‭ ‬المتحدث‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬يؤكد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬الأخير،‭ ‬والهدف‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬العالم‭ ‬يستعد‭ ‬للمستقبل،‭ ‬لكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمحرر‭ ‬الخبر‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭ ‬الهدية‭ ‬التي‭ ‬التقطها‭ ‬لكي‭ ‬يقوم‭ ‬بتطيير‭ ‬هذا‭ ‬الخبر‭ ‬للدنيا‭ ‬كلها‭ ‬ويظهر‭ ‬للناس‭ ‬لأول‭ ‬وهلة‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬الجديد‭ ‬ينتظرهم‭ ‬خلف‭ ‬الباب‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬العنوان‭ ‬مهم‭ ‬لجذب‭ ‬القارئ‭ ‬وسببا‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لكي‭ ‬يتوقفوا‭ ‬أمام‭ ‬مادة‭ ‬دون‭ ‬أخرى‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬أصبح‭ ‬سيئا‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتغطية‭ ‬أخبار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬وما‭ ‬تنتج‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬تداعيات،‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬خائف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الرعب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬القاتل،‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لزيادة‭ ‬جرعات‭ ‬التخويف‭ ‬التي‭ ‬يسقيها‭ ‬الإعلام‭ ‬للناس‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا،‭ ‬والتي‭ ‬تضر‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تنفع‭.‬

لا‭ ‬ننفي‭ ‬أن‭ ‬التخويف‭ ‬مهم‭ ‬حتى‭ ‬يحذر‭ ‬الناس،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬وجود‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬العلم‭ ‬والطب‭ ‬وما‭ ‬يقوله‭ ‬الإعلام،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬يخاطب‭ ‬فئات‭ ‬ومستويات‭ ‬وثقافات‭ ‬متباينة‭. ‬هل‭ ‬ينكر‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬الاعلام‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تحور‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬وظهور‭ ‬سلالات‭ ‬جديدة‭ ‬وجعل‭ ‬الدول‭ ‬تعلق‭ ‬الطيران‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬وجنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬وجعل‭ ‬الناس‭ ‬يهرعون‭ ‬إلى‭ ‬ترك‭ ‬العاصمة‭ ‬البريطانية‭ ‬لندن‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬الفيروس‭ ‬المتحور‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬زبدة‭ ‬القول‭: ‬العالم‭ ‬بحاجة‭ ‬للتوعية‭ ‬وليس‭ ‬الرعب‭.‬