عمود أكاديمي

أميركا بعد ترامب

| د. باقر النجار

لم‭ ‬تكن‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دوناد‭ ‬ترامب‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته،‭ ‬سنوات‭ ‬عادية‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭. ‬فقد‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الخارج‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬قد‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬تحولات‭ ‬عميقة‭ ‬وارتدادات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الداخل‭ ‬الأميركي‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬صحيحا‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يٌخفض‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬لحوالي‭ ‬3‭.‬5‭ %‬،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة،‭ ‬وهو‭ ‬معدل‭ ‬لم‭ ‬تصله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬عقود‭ ‬خلت‭. ‬وهي‭ ‬معدات‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقين‭ ‬الخمسة‭ ‬أو‭ ‬الستة‭ ‬السابقين،‭ ‬على‭ ‬الاقل،‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬أحدث‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭. ‬وهي‭ ‬مصاحبات‭ ‬قد‭ ‬يبقى‭ ‬بعضها‭ ‬لسنوات‭ ‬قادمة‭ ‬قد‭ ‬تتجاوز‭ ‬خلافة‭ ‬بايدن‭ ‬الأولى‭.‬

‭ ‬فإدارته‭ ‬لجهاز‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬قد‭ ‬اعتمد‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الذاتية‭ ‬واللا‭ ‬مؤسساتية‭ ‬و‭ ‬لربما‭ ‬المزاجية‭ ‬والنرجسية‭ ‬المفرطة،‭ ‬وهي‭ ‬مزاجية‭ ‬أو‭ ‬ذاتية‭ ‬قد‭ ‬حكمت‭ ‬علاقته‭ ‬بكل‭ ‬طاقم‭ ‬الإدارة‭ ‬الكبار‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬الأستمرار‭ ‬ففضل‭ ‬الاستقالة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭. ‬وكان‭ ‬آخرهم‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬الأميركي‭ ‬وليم‭ ‬بار‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الرئيس‭ ‬تحمل‭ ‬قوله‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬“ما‭ ‬يثب‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التزوير‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع”‭ ‬فأجبر‭ ‬على‭ ‬الاستقاله‭ ‬ولم‭ ‬تشفع‭ ‬له‭ ‬سنوات‭ ‬خدمته‭ ‬السابقة‭ ‬للرئيس‭ ‬الأميركي‭. ‬وهو‭ ‬بخلاف‭ ‬كل‭ ‬الرؤساء‭ ‬السابقين‭ ‬قد‭ ‬وظف‭ ‬حسابه‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬سياساته‭ ‬أو‭ ‬قراراته‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أوامره‭ ‬بإقالة‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬وزرائه‭ ‬أو‭ ‬أحد‭ ‬موظفي‭ ‬الدولة‭ ‬الكبار‭. ‬فهكذا‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬إقالة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السابق‭ ‬ريكس‭ ‬تلرسون،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬علم‭ ‬عن‭ ‬خبر‭ ‬إقالته‭ ‬وتعيين‭ ‬بومبيو‭ ‬بديلا‭ ‬عنه،‭ ‬من‭ ‬تغريدة‭ ‬الرئيس‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬إنه‭ ‬“سيؤدي‭ ‬عملا‭ ‬رائعا”‭. ‬وهكذا‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬إقالة‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬الاسبق‭ ‬جيف‭ ‬سيشنز‭ ‬لفشله‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بعرقلة‭ ‬تحقيقات‭ ‬ملر‭ ‬حول‭ ‬التدخلات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬2016‭. ‬وهكذا‭ ‬كذلك‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬إقالة‭ ‬وزير‭ ‬دفاعة‭ ‬السابق‭ ‬مارك‭ ‬اسبر،‭ ‬لرفضه‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬“بالإعداد‭ ‬لهجوم‭ ‬جوي‭ ‬على‭ ‬طهران”،‭ ‬وهكذا‭ ‬كذلك‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬إقالة‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬جون‭ ‬بولتون‭ ‬وهكذا‭ ‬كذلك‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬إقالة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬موظفي‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭.. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بالمقابل‭ ‬أجبر‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الوزراء‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬استقالاتهم‭ ‬وهو‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬دفاعه‭ ‬السابق‭ ‬جيمس‭ ‬ماتيس‭ ‬وذلك‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ترامب‭..‬”لوجود‭ ‬اختلافات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬السياسات”‭ ‬ووزير‭ ‬العدل‭ ‬المستقيل‭ ‬حديثا‭ ‬وليم‭ ‬بار‭ ‬لقوله‭ ‬“أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬تزوير‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي”‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬لوح‭ ‬بإقالة‭ ‬مدير‭ ‬المعهد‭ ‬الوطني‭ ‬للحساسية‭ ‬والامراض‭ ‬المعدية،‭ ‬أنتوني‭ ‬فاوتسي‭ ‬في‭ ‬نقضه‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يروج‭ ‬له‭ ‬ترامب‭ ‬حول‭ ‬كوفيد‭ ‬19‭ ‬و‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬الفايروس،‭ ‬ورفضه‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الاجراءات‭ ‬الهادفة‭ ‬لاحتواء‭ ‬الفايروس‭.. ‬وهكذا‭ ‬فصل‭ ‬مدير‭ ‬الامن‭ ‬الالكتروني‭ ‬وأمن‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬كريس‭ ‬كريبس‭ ‬لقوله‭ ‬“أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تأمينا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬انتخابات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة”‭. ‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فقد‭ ‬ساهم‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬ادعائه‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬حالات‭ ‬تزوير‭ ‬و‭ ‬مخالفات‭ ‬انتخابية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الإرباك‭ ‬ولربما‭ ‬التجييش‭ ‬لقطاع‭ ‬ليس‭ ‬بصغير‭ ‬من‭ ‬مؤيديه‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬العرف‭ ‬السائد‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالادارة‭ ‬القادمة،‭ ‬لاعتقاده‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬إدارة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭. ‬وتأتي‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬لخلخلة‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬يكتسبها‭ ‬صندوق‭ ‬الاقتراع‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الاميركية‭. ‬وهي‭ ‬نتائج‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬العدول‭ ‬عنها،‭ ‬وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬سرعة‭ ‬الاتصال‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬زعيم‭ ‬الأغلبية‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬ميتش‭ ‬ماكونيل‭ ‬بالرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬بعيد‭ ‬تصويت‭ ‬المجمع‭ ‬الانتخابي‭ ‬في‭ ‬الاسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬والذي‭ ‬حاز‭ ‬فيه‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقارل‭ ‬من‭ ‬306‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬المجمع‭ ‬الانتخابي‭.. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬محاولات‭ ‬ترامب‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬شرخ‭ ‬في‭ ‬شرعية‭ ‬الانتخابات‭ ‬عن‭ ‬نزعته‭ ‬لإعطاء‭ ‬صورة‭ ‬الرجل‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬تمهيدا‭ ‬أو‭ ‬استعدادا‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬لانتخابات‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬وقد‭ ‬لعبت‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬الاميركية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬التشويش‭ ‬هذه‭. ‬وهو‭ ‬تحد‭ ‬إما‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬نحو‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الفوضى‭ ‬أو‭ ‬لحالة‭ ‬تأخذ‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬العقلانية‭ ‬في‭ ‬تعاطيها‭ ‬مع‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات‭ ‬الاخيرة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬لإصلاح‭ ‬حالة‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬منقسما‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وباتت‭ ‬عملياته‭ ‬الانتخابية‭ ‬بحاجة‭ ‬لمراجعة‭ ‬في‭ ‬أدواتها‭ ‬وفي‭ ‬تقسيماتها‭ ‬ولربما‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يتم‭ ‬تقرير‭ ‬الفائز‭ ‬من‭ ‬المرشحين‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فإننا‭ ‬بتنا‭ ‬نشهد‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬المنتهية‭ ‬ولايته،‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬استصدار‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬العفو‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمقربين‭ ‬منه،‭ ‬ممن‭ ‬أصدر‭ ‬بحقهم‭ ‬أحكام‭ ‬قضائية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استصدار‭ ‬قرارات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬بالصورة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تربك‭ ‬الرئيس‭ ‬القادم‭ ‬للبيت‭ ‬الابيض‭. ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬لتجاوز‭ ‬المشكلات‭ ‬المستزرعة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭. ‬إذ‭ ‬ستبقى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتهية‭ ‬رئاسته‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬قد‭ ‬يغطي‭ ‬المرحلة‭ ‬الاولى‭ ‬من‭ ‬رئاسة‭ ‬الرئيس‭ ‬القادم‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭. ‬وقد‭ ‬يحتاج‭ ‬الرئيس‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الوقت،‭ ‬ولربما‭ ‬جل‭ ‬مرحلة‭ ‬رئاسته‭ ‬الاولى‭ ‬لإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للادارة‭ ‬القائمة‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الانقسامات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬و‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭..‬

أما‭ ‬التأثير‭ ‬الأخر‭ ‬المهم،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬والذي‭ ‬في‭ ‬ضوئه‭ ‬لازال‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬المتشائمين‭ ‬يبنون‭ ‬توقعاتهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الانقسام‭ ‬الكبير‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬البيض‭ ‬والجماعات‭ ‬الأثنية‭ ‬والعرقية‭ ‬الأخرى‭ ‬وتحديدا‭ ‬السود‭ ‬ستقود‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحرب‭ ‬الاهلية‭ ‬التي‭ ‬ستقود‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭. ‬وهو‭ ‬انقسام‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬سببه‭ ‬الاساسي‭ ‬الرئيس‭ ‬الاميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬وإنما‭ ‬تعود‭ ‬لأسباب‭ ‬تاريخية‭ ‬وأخرى‭ ‬بنيوية‭ ‬وممارسات‭ ‬مأسساتية‭ ‬خلقت‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الزمن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يخفف‭ ‬منه‭ ‬وصول‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬كرئيس‭ ‬للدولة‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭.. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سياساته‭ ‬وممارساته‭ ‬ولربما‭ ‬لنقٌل‭ ‬خطابه‭ ‬السياسي‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬هذه‭.‬‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬الاميركي‭ ‬السابق‭ ‬أوباما‭.. ‬فإن‭ ‬“الانقسام‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭ ‬كان‭ ‬قائما‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬رئاستي،‭ ‬الا‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الاميركي‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تعميقها”‭. ‬وهو‭ ‬انقسام‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مدخلا‭ ‬لحرب‭ ‬أهلية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاشتباكات‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بين‭ ‬السود‭ ‬والبيض‭ ‬ومحاولات‭ ‬الدهس‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬السود‭ ‬يعكس‭ ‬وبشكل‭ ‬واضح‭ ‬درجة‭ ‬الانقسام‭ ‬هذه‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بعضه‭ ‬كنتيجة‭ ‬لطبيعة‭ ‬الخطاب‭ ‬الشعبوي‭ ‬الذي‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬ترامب‭ ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬شحن‭ ‬بعض‭ ‬جماعات‭ ‬البيض‭ ‬المتطرفة‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬والهسبانك‭ ‬والجماعات‭ ‬العرقية‭ ‬الاخرى‭.‬

بالإضافة‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭ ‬قد‭ ‬شهد،‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الفرز‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتصاعد‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬والاغنياء‭:‬‭ ‬فدرجة‭ ‬الغنى‭ ‬تتعاظم‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬مقابل‭ ‬اتساع‭ ‬دائرة‭ ‬الفقر‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الكثير‭ ‬الآخر‭ ‬والذي‭ ‬تصاعدت‭ ‬معدلاته‭ ‬مؤخرا‭ ‬بفعل‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬مليون‭ ‬أميركي‭ ‬قد‭ ‬باتوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الاعانات‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬لهم‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭. ‬وأن‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬قد‭ ‬أخرجت‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الاميركيين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬العمل،‭ ‬إذ‭ ‬قدرة‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمر‭ ‬الماضي‭ ‬بحوالي‭ ‬14‭.‬7‭ %. ‬وهو‭ ‬خروج‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬بعض‭ ‬مصاحباته‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الفقر‭ ‬وتصاعد‭ ‬في‭ ‬المشكلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الجريمة‭ ‬والطلاق‭ ‬والعنف‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬مصاحبات‭ ‬البطالة‭ ‬والفقر‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أزمة‭ ‬العلاقات‭ ‬العرقية‭ ‬بين‭ ‬السود‭ ‬والبيض‭ ‬قي‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهي‭ ‬أزمة‭ ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬اوجها‭ ‬أبان‭ ‬مقتل‭ ‬جورج‭ ‬فلويد‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شرطي‭ ‬ابيض،وهي‭ ‬حادثة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬سبقتها‭ ‬وأعقبتها‭ ‬الكثيرمن‭ ‬الحوادث‭ ‬العنصرية‭ ‬المماثلة‭. ‬إلا‭ ‬انها‭ ‬حادثة‭ ‬قد‭ ‬أخرجت‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬والبيض‭ ‬مطالبين‭ ‬بعدالة‭ ‬أكبر‭ ‬وأوسع‭ ‬للسود‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭. ‬وليس‭ ‬جديدا‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬قد‭ ‬عاظمت‭ ‬من‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي،‭ ‬كما‭ ‬عبرت‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬المأزق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬القائم‭. ‬فانتشار‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬السود‭ ‬والهسبنك‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬البيض،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حالات‭ ‬الوفاة‭ ‬في‭ ‬أوساطهم‭ ‬هي‭ ‬الاعلى‭ ‬مقارنة‭ ‬بحجم‭ ‬الاصابات‭ ‬في‭ ‬اوساط‭ ‬الجماعات‭ ‬العرقية‭ ‬والاثنية‭ ‬الاخرى‭.‬

وتذهب‭ ‬بعض‭ ‬الاقلام‭ ‬الاميركية‭ ‬للقول‭ ‬أن‭ ‬وصول‭ ‬ترامب‭ ‬للبيت‭ ‬الابيض‭ ‬قد‭ ‬عمق‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الحزبين‭ ‬الرئيسين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الاميركية‭. ‬وهو‭ ‬انقسام‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قائما‭ ‬قبل‭ ‬وصوله‭ ‬للبيت‭ ‬الابيض،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬وصوله‭ ‬لرأس‭ ‬الدولة‭ ‬وهجومه‭ ‬المستمر‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬الديموقراطي‭ ‬ووصفه‭ ‬الدائم‭ ‬له‭ ‬بكونه‭ ‬حزبا‭ ‬شيوعيا‭ ‬متطرفا‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬له‭ ‬وليس‭ ‬الاختلاف‭.. ‬ويبرز‭ ‬هذا‭ ‬الاختلاف‭ ‬و‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬تلكؤ‭ ‬الاغلبية‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬اولا‭ ‬في‭ ‬الاقرار‭ ‬بفوز‭ ‬المرشح‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬تأخرهم‭ ‬في‭ ‬تهنئته‭ ‬بذلك،‭ ‬الامر‭ ‬الذي‭ ‬يفسره‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬السطوة‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬ترامب‭ ‬يمتلكها‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬رغم‭ ‬حداثة‭ ‬خبرته‭ ‬بالعمل‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وحداثة‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬الحزب‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الخلاف‭ ‬بينهما‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬لهذا‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬جمهوري‭ ‬سابق‭. ‬

‭ ‬وخلاصة‭ ‬القول‭ ‬فإن‭ ‬السنوات‭ ‬الاربع‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الاميركي‭ ‬ترامب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سنوات‭ ‬عادية‭. ‬فبقدر‭ ‬ما‭ ‬أحدث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أصابت‭ ‬سياساته‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬شرخا‭ ‬بنيويا‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي،‭ ‬تجاوزه‭ ‬يتطلب‭ ‬حالة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬للنخب‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭. ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بالدولة‭ ‬الاميركية‭ ‬فحسب‭ ‬وحسابات‭ ‬الخارج‭ ‬وإنما‭ ‬تعلق‭ ‬ولربما‭ ‬تتعلق‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬القجرة‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬استراتيجيات‭ ‬جديدة‭ ‬للدمج‭ ‬و‭ ‬بناءات‭ ‬الثقة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الاميركي‭ ‬بين‭ ‬جماعاته‭ ‬العرقية‭ ‬و‭ ‬الاثنية‭ ‬المختلفة‭ ‬وبين‭ ‬أحزابه‭ ‬المتصارعة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬مؤسساته‭ ‬التشريعية‭ ‬القائمة‭ ‬وليس‭ ‬بنقله‭ ‬للشارع‭.. ‬فانفلات‭ ‬الشارع‭ ‬عقد‭ ‬يصيب‭ ‬الدولة‭ ‬بعطب‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يصيب‭ ‬المجتمع‭ ‬بقدر‭ ‬ليس‭ ‬ببسيط‭ ‬من‭ ‬الصدع‭.‬