العنفُ الاجتماعي وتآكلُ القيم!

| هدى حرم

منذ‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭ ‬يميلُ‭ ‬للعنف‭ ‬لهذه‭ ‬الدرجة،‭ ‬ولماذا‭ ‬وصلنا‭ ‬لهذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والقسوةِ‭ ‬الجسدية‭ ‬واللفظية؟‭ ‬لماذا‭ ‬تنتشرُ‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الفتَّاكة‭ ‬في‭ ‬مجتمعٍ‭ ‬يدينُ‭ ‬بالإسلامِ‭ ‬الذي‭ ‬يُفترضُ‭ ‬به‭ ‬أنْ‭ ‬يُتممَ‭ ‬مكارمَ‭ ‬الأخلاق،‭ ‬فناله‭ ‬التآكل‭ ‬والنقص‭ ‬لا‭ ‬التمام،‭ ‬مجتمع‭ ‬كان‭ ‬يتسمُ‭ ‬بنبلِ‭ ‬الأخلاق،‭ ‬كيف‭ ‬حادَ‭ ‬عن‭ ‬جادةِ‭ ‬الأعرافِ‭ ‬والقيم؟‭!‬

بِتْنا‭ ‬لا‭ ‬نأمنُ‭ ‬أنْ‭ ‬نكونَ‭ ‬في‭ ‬مُجمَّعٍ‭ ‬تجاري‭ ‬نذهبُ‭ ‬إليه‭ ‬للتبضعِ‭ ‬والمتعة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نُصادفَ‭ ‬في‭ ‬جولتنا‭ ‬شجاراً‭ ‬نشبَ‭ ‬بين‭ ‬جماعتين‭ ‬أو‭ ‬شخصين،‭ ‬وقد‭ ‬نكونُ‭ ‬نحن‭ ‬أنفسُنا‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭. ‬لطالما‭ ‬صادفنا‭ ‬في‭ ‬عرضِ‭ ‬الشارع‭ ‬شباناً‭ ‬أوقفوا‭ ‬سياراتِهم‭ ‬بمنتصفِ‭ ‬الطريق‭ ‬السريع‭ ‬لتدورَ‭ ‬بينهم‭ ‬رحى‭ ‬حربٍ‭ ‬طاحنة‭ ‬قد‭ ‬تُسفِرُ‭ ‬عن‭ ‬إصاباتٍ‭ ‬بليغة،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تُودي‭ ‬بحياةِ‭ ‬أحدهم‭ ‬بغتة،‭ ‬صادفنا‭ ‬بأنفسِنا‭ ‬سُوَّاقاً‭ ‬يلاحقونَ‭ ‬سُوَّاقاً‭ ‬آخرين‭ ‬بسرعاتٍ‭ ‬مجنونةٍ‭ ‬ليقطعوا‭ ‬عليهم‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬ليصدموهم‭ ‬بسياراتهم‭ ‬انتقاماً،‭ ‬لأنهم‭ ‬أغاظوهم‭ ‬أثناءَ‭ ‬القيادة،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬منازلنا‭ ‬نُعاني‭ ‬من‭ ‬العنفِ‭ ‬الأسري‭ ‬بين‭ ‬الوالدين‭ ‬والأبناء‭ ‬وبين‭ ‬الأبناءِ‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وباتتْ‭ ‬جرائمُ‭ ‬الاعتداء‭ ‬والقتل‭ ‬تتكررُ‭ ‬في‭ ‬البيوتاتِ‭ ‬المُغلقة‭ ‬حين‭ ‬تنشبُ‭ ‬الخلافاتُ‭ ‬بين‭ ‬أفرادها‭ ‬بين‭ ‬الفينةِ‭ ‬والأخرى‭ ‬كبركانٍ‭ ‬خامدٍ‭ ‬ينفجرُ‭ ‬بلا‭ ‬موعد‭. ‬وفي‭ ‬مقراتِ‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬يجبُ‭ ‬أنْ‭ ‬تتحلى‭ ‬بكلِ‭ ‬مُقومات‭ ‬الأمنِ‭ ‬والسلامة،‭ ‬يفقد‭ ‬العاملُ‭ ‬أو‭ ‬الموظفُ‭ ‬حياتهُ‭ ‬في‭ ‬مشاجرةٍ‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬زميلٍ‭ ‬أو‭ ‬زملاءَ‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العمل؛‭ ‬فلِمَ‭ ‬كلُ‭ ‬هذا‭ ‬الكمِّ‭ ‬من‭ ‬العنفِ‭ ‬والجريمة؟

إنَّ‭ ‬الأسبابَ‭ ‬التي‭ ‬تُؤدي‭ ‬للعنف‭ ‬وتنحدرُ‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬مهاوي‭ ‬الجريمة‭ ‬تكمنُ‭ ‬في‭ ‬غيابِ‭ ‬الورعِ‭ ‬والوازعِ‭ ‬الديني‭ ‬لدى‭ ‬الأفراد؛‭ ‬فلا‭ ‬يرتدعونَ‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬فعلٍ‭ ‬أو‭ ‬قولٍ‭ ‬قبيح،‭ ‬ويستبيحون‭ ‬الأعرافَ‭ ‬والأعراض،‭ ‬ويضربونَ‭ ‬بالأخلاقِ‭ ‬والقيمِ‭ ‬عرضَ‭ ‬الحائط‭. ‬هؤلاء‭ ‬يسمحون‭ ‬للغضب‭ ‬بأنْ‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬تصرفاتهم؛‭ ‬فيستجيبونَ‭ ‬للمواقف‭ ‬بعنفٍ‭ ‬لفظيٍ‭ ‬حيناً‭ ‬وجسديٍ‭ ‬في‭ ‬أحيانٍ‭ ‬أخرى،‭ ‬يبدأُ‭ ‬بالاعتداء‭ ‬بالضرب‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬الإعاقة،‭ ‬وقد‭ ‬ينتهي‭ ‬بالقتلِ‭ ‬العمد‭ ‬أو‭ ‬غيرِ‭ ‬العمد‭. ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬يُمزِّقُ‭ ‬نسيجَ‭ ‬المجتمعات‭ ‬وهُويتها‭ ‬لابُدَّ‭ ‬له‭ ‬أنْ‭ ‬يتوقفَ‭ ‬بسن‭ ‬قوانينَ‭ ‬صارمة‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬المتسمة‭ ‬بالعنف‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬الأُسرِ‭ ‬أنْ‭ ‬تنأى‭ ‬بأفرادها‭ ‬عن‭ ‬مصادرِ‭ ‬التوتر،‭ ‬وتنكبَّ،‭ ‬بمسؤوليةٍ‭ ‬تامة،‭ ‬على‭ ‬تنشئةِ‭ ‬جيلٍ‭ ‬صحي‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬العللِ‭ ‬النفسية‭ ‬ملتزمٍ‭ ‬بالدين‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقيم،‭ ‬لأنَّ‭ ‬الأسرة‭ ‬الصالحة‭ ‬نواةٌ‭ ‬لمجتمعٍ‭ ‬سليمٍ‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬الآفاتِ‭ ‬والعاهات‭.‬