هجرة الأدمغة الإعلامية العربية

| رضي السماك

ما يقرب من أربعة عقود ومئات الدراسات العربية تتوالى عن تأثير هجرة الأدمغة العربية إلى الغرب في مختلف التخصصات على التنمية العربية؛ بما تشكل من نزيف حاد في إهدار مواردها البشرية، ومن بين تلك التخصصات التي لم تتناولها تلك الدراسات هجرة الأدمغة الإعلامية للعمل في مؤسسات الدول الغربية الإعلامية باللغة العربية، وتحديداً قنواتها الفضائية؛ حيث حققت نجاحاً ساحقاً في جذب ومخاطبة المشاهد العربي لا مجال لمقارنته البتة بالقنوات العربية في تنوع برامجها الدسمة المفيدة - كمصدر معرفي وعلمي كبيرين - وفي أداء مذيعيها ومستوى ثقافاتهم العالية، على أن الدراسات العربية التي تناولت “النزيف الإعلامي” - على محدوديتها - تجمع بأن من بين مسبباته: غياب التشجيع الكافي والحوافز للإعلاميين العرب بدولهم، شيوع الواسطة والمحسوبية.

وليس سراً القول إن قنواتنا العربية لم تعد تحظى باهتمام الغالبية العظمى من النخبة المثقفة العربية الموجهة إليها برامجها في الأساس بسبب الإسراف في إضفاء الطابع الرسمي الرتيب المتقادم عليها، وهذا هو بالضبط سر الإقبال على قنوات الدول الغربية العربية مثل فرانس 24، وDW، وBBC، رغم أن إذاعة هذه الأخيرة أفل نجم عصرها الذهبي الذي تميزت به على كل المحطات العربية منذ الثلاثينيات، وفشلت فضائيتها بعدئذ بمضاهاتها.

ومع أن هذه القنوات مدعومة من حكوماتها فإنها تتمتع بقدر كاف من الاستقلالية كما يتمتع مذيعوها العرب بهامش معقول من الحرية والمرتبات والحوافز والمكافآت التشجيعية.

والحال فإنه ما لم تتجه دولنا العربية إلى إجراء إصلاحات إعلامية حقيقية في إطار استراتيجية إصلاحية جذرية عامة، فستظل قنواتنا العربية - للأسف - محلك سر عاجزة عن تحقيق التنمية بمفهومها الإنساني الشامل والتي هي السبيل الوحيد لتحقيق أمنها القومي.