أمسكوا أبناءكم

| هدى حرم

كم‭ ‬مرة‭ ‬حللتمْ‭ ‬ضيوفاً‭ ‬لدى‭ ‬عوائلَ‭ ‬للتو‭ ‬تعرفتم‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬كنتم‭ ‬في‭ ‬مجلسٍ‭ ‬من‭ ‬المجالس،‭ ‬أو‭ ‬قبِلتم‭ ‬دعوةَ‭ ‬عقدِ‭ ‬قِران،‭ ‬أو‭ ‬كنتم‭ ‬في‭ ‬نزهةٍ‭ ‬مع‭ ‬عوائلكم‭ ‬في‭ ‬حديقةٍ‭ ‬عامة،‭ ‬تجلسون‭ ‬في‭ ‬أمانِ‭ ‬الله،‭ ‬إذْ‭ ‬بطفلٍ‭ ‬يرميكم‭ ‬بكلمةٍ‭ ‬بذيئة‭ ‬تصدِمُكُم‭ ‬وتجرحُ‭ ‬مسامعَكم‭ ‬وقلوبكم،‭ ‬أو‭ ‬بصفعةٍ‭ ‬مباغِتة‭ ‬لا‭ ‬سببَ‭ ‬لها‭ ‬تأتيكم‭ ‬من‭ ‬اللامكان،‭ ‬أو‭ ‬تُسدّدُ‭ ‬في‭ ‬وجوهِكم‭ ‬كُرةً‭ ‬فتبعجُ‭ ‬أنوفَكم‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬على‭ ‬مسمعٍ‭ ‬ومرأى‭ ‬من‭ ‬آبائهم‭ ‬الذين‭ ‬ينظرون‭ ‬لما‭ ‬حصل‭ ‬ببلادة،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يضحكون‭ ‬ملءَ‭ ‬أشداقِهم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬لا‭ ‬تستطيعون‭ ‬إبداءَ‭ ‬ردةِ‭ ‬فعلٍ‭ ‬بسبب‭ ‬المفاجأة‭ ‬والحرجِ‭ ‬وحجمِ‭ ‬الجاني‭. ‬وقد‭ ‬يرى‭ ‬البعضُ‭ ‬أَلّا‭ ‬غضاضةَ‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬فالطفلُ‭ ‬الصغيرُ‭ ‬ناقصُ‭ ‬المعرفة‭ ‬مرتبكُ‭ ‬السلوك‭ ‬حتى‭ ‬يبدأَ‭ ‬بالتعلم‭ ‬والنضج،‭ ‬وقد‭ ‬نجدُ‭ ‬بعض‭ ‬الصحةِ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬الحقيقةَ‭ ‬هي‭ ‬أنَّ‭ ‬الطفلَ‭ ‬يكتسبُ‭ ‬المعرفة‭ ‬ويبدأ‭ ‬بتعلم‭ ‬السلوكِ‭ ‬الجيد‭ ‬منذ‭ ‬نعومةِ‭ ‬أظفاره؛‭ ‬فالسنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الطفل‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يُحددُ‭ ‬شخصيتهُ‭ ‬في‭ ‬المستقبل؛‭ ‬لذا‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬أنْ‭ ‬يُنشِّئا‭ ‬أبناءَهما‭ ‬على‭ ‬المعرفةِ‭ ‬الصحيحة‭ ‬والخُلقِ‭ ‬القويم،‭ ‬ويعززا‭ ‬السلوكاتِ‭ ‬الجيدة‭ ‬ويعاقبا‭ ‬الطفلَ‭ ‬على‭ ‬السلوكات‭ ‬السيئة،‭ ‬بأن‭ ‬يختارَ‭ ‬الطفلُ‭ ‬عقابه‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬عدةِ‭ ‬عقاباتٍ‭ ‬ممكنة‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬عنيفة،‭ ‬بل‭ ‬مؤثرة‭. ‬ويعتقد‭ ‬بعضُ‭ ‬الآباء‭ ‬أنَّ‭ ‬الطفلَ‭ ‬الصغير‭ ‬حديثَ‭ ‬الولادة‭ ‬وحتى‭ ‬سن‭ ‬الرابعة‭ ‬لا‭ ‬يعي‭ ‬ولا‭ ‬يفقهُ‭ ‬شيئاً،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬العبثِ‭ ‬إرساءُ‭ ‬القوانين‭ ‬ورسمُ‭ ‬الحدود‭ ‬للطفل‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬ومع‭ ‬الآخرين،‭ ‬بينما‭ ‬يتسابقون‭ ‬لتسجيلهم‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬مراحلَ‭ ‬مبكِّرة‭ ‬ليتعلموا‭ ‬الحروفَ‭ ‬والحساب،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المغالطات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬التنبهُ‭ ‬لها‭. ‬إنَّ‭ ‬عدمَ‭ ‬إبداءِ‭ ‬الوالدين‭ ‬أيةَ‭ ‬ردةِ‭ ‬فعلٍ‭ ‬تجاه‭ ‬أبنائهما‭ ‬حين‭ ‬يُسيئونَ‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬مجلسٍ‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬يؤذوا‭ ‬كبيراً‭ ‬بكلماتٍ‭ ‬سيئة‭ ‬لا‭ ‬تليقُ‭ ‬بالأطفال‭ ‬أو‭ ‬بالكبير‭ ‬واجبِ‭ ‬الاحترام،‭ ‬لهو‭ ‬ضربٌ‭ ‬من‭ ‬اللامسؤولية‭ ‬والإهمالِ‭ ‬وعدم‭ ‬الذوق‭ ‬لدى‭ ‬الآباء‭ ‬أنفسهم‭. ‬قرارُ‭ ‬إنجاب‭ ‬الأطفال‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬يُقررها‭ ‬إلا‭ ‬أولئكَ‭ ‬القادرونَ‭ ‬على‭ ‬حملها،‭ ‬والتربية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهدٍ‭ ‬وصبرٍ‭ ‬وأناة؛‭ ‬كي‭ ‬تُؤتي‭ ‬أُكُلها‭ ‬في‭ ‬نهايةِ‭ ‬المطاف؛‭ ‬فلنكنْ‭ ‬بقدرِ‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ولنُربي‭ ‬أبناءَنا‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬للآخرين‭ ‬وإحسانِ‭ ‬التصرف‭ ‬ولنُعنْهم‭ ‬على‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬البيئةِ‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬ومواطن‭ ‬الخطر‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها،‭ ‬فلا‭ ‬يندفعوا‭ ‬نحو‭ ‬الشارعِ‭ ‬دون‭ ‬بصيرة،‭ ‬أو‭ ‬ينبطحوا‭ ‬عند‭ ‬عجلاتِ‭ ‬سيارة‭ ‬فيعرضوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬للخطر‭ ‬والسائقَ‭ ‬للمساءلة،‭ ‬ولا‭ ‬يتفوهوا‭ ‬بالسباب‭ ‬أو‭ ‬الشتائم‭ ‬ظانين‭ ‬أنهم‭ ‬على‭ ‬صواب،‭ ‬عاكسين‭ ‬بذلك‭ ‬شخصياتِ‭ ‬آبائهم‭ ‬لا‭ ‬شخصياتهم‭ ‬هم؛‭ ‬فالطفل‭ ‬يتعلمُ‭ ‬بالتقليد،‭ ‬والوالدان‭ ‬هما‭ ‬المثال‭ ‬الأعلى‭. ‬أمسكوا‭ ‬أبناءكم‭ ‬عن‭ ‬مضرةِ‭ ‬الآخرين‭ ‬واعلموا‭ ‬أنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬واجبٌ‭ ‬عليكم‭ ‬تجاهَ‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يسقطُ‭ ‬عنكم‭ ‬لأنَّ‭ ‬السلوكَ‭ ‬البذيء‭ ‬صدرَ‭ ‬من‭ ‬أبنائكم‭.‬