بايدن وملالي إيران وملفهم النووي (2)

| سالم الكتبي

قلت‭ ‬سابقاً،‭ ‬وأكرر‭ ‬ان‭ ‬الموقف‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ساحة‭ ‬للممحاكات‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬والجمهوريين‭ ‬لأن‭ ‬المسألة‭ ‬لا‭ ‬تتصل‭ ‬فقط‭ ‬بعلاقات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬بل‭ ‬تتصل‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بعلاقات‭ ‬واشنطن‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تجاهلها‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الإدارة‭.‬

قناعتي‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬سيكون‭ ‬مختلفاً‭ ‬رغم‭ ‬حرص‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬ما‭ ‬بتذكير‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬بايدن‭ ‬بضرورة‭ ‬منح‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬روبرت‭ ‬مالي‭ ‬المساعد‭ ‬الخاص‭ ‬للرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬صحيفة‭ ‬فرنسية،‭ ‬بأن‭ ‬“إيران‭ ‬ليست‭ ‬معزولة‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬وبايدن‭ ‬يعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي”،‭ ‬وهو‭ ‬تصريح‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أن‭ ‬مالي‭ ‬كان‭ ‬كبيراً‭ ‬لمستشاري‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عضواً‭ ‬بفريق‭ ‬التفاوض‭ ‬الأميركي‭ ‬بشأن‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬إرثه‭ ‬السياسي‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬حل‭ ‬محل‭ ‬أعضاء‭ ‬فريق‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬ليعلن‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬أن‭ ‬بايدن‭ ‬ونائبته‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬يقومان‭ ‬بوضع‭ ‬ملامح‭ ‬سياساتهما‭ ‬الخارجية،‭ ‬وأن‭ ‬إحدى‭ ‬أولويات‭ ‬بايدن‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ‭ ‬والاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬إيران‭!‬

اللافت‭ ‬أن‭ ‬مالي‭ ‬اعترف‭ ‬في‭ ‬التصريح‭ ‬ذاته‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ‭ ‬ستتم‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الإجماع‭ ‬وأسهل؛‭ ‬لكن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬“ستكون‭ ‬أكثر‭ ‬حساسية‭ ‬وتحديًا‭ ‬بسبب‭ ‬تداعياتها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط”،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إحجام‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬عن‭ ‬منح‭ ‬الاتفاق‭ ‬قبلة‭ ‬أوكسجين‭ ‬جديدة‭ ‬تعيده‭ ‬للحياة،‭ ‬وهو‭ ‬اعتراف‭ ‬مهم،‭ ‬رغم‭ ‬غرابته،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سهلا‭ ‬بالمرة‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يشر‭ ‬إليه‭ ‬تصريح‭ ‬المسؤول‭ ‬الأميركي‭ ‬السابق‭ ‬بشأن‭ ‬استفزازات‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬المستمرة‭ ‬وتجاوزهم‭ ‬السقف‭ ‬المسموح‭ ‬به‭ ‬لتخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬بحسب‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي،‭ ‬وكذلك‭ ‬تهديداتهم‭ ‬وتدخلاتهم‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬المدى‭ ‬الزمني‭ ‬للاتفاق‭ ‬ذاته‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬الانتهاء‭ ‬وباتت‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬بالشروط‭ ‬ذاتها‭ ‬تمثل‭ ‬إهانة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهدية‭ ‬مجانية‭ ‬لملالي‭ ‬إيران‭ ‬بالادعاء‭ ‬بقدرتهم‭ ‬على‭ ‬إخضاع‭ ‬واشنطن‭ ‬لشروطهم‭ ‬ومطالبهم‭.‬

والحاصل‭ ‬إيرانياً‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬روحاني‭ ‬وفريقه‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬بايدن‭ ‬فرصة‭ ‬جديدة‭ ‬لبلادهم،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬روحاني‭ ‬مؤخراً‭ ‬إن‭ ‬بلاده‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬فرصة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ونقل‭ ‬التلفزيون‭ ‬الرسمي‭ ‬عن‭ ‬روحاني‭ ‬خلال‭ ‬اجتماع‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬قوله‭ ‬إنه‭ ‬“مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬الجديدة،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فرصة”،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬“الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬الجديدة‭ ‬تحول‭ ‬الوضع‭ ‬نحو‭ ‬الامتثال،‭ ‬أي‭ ‬أننا‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬جو‭ ‬التهديد‭ ‬إلى‭ ‬جو‭ ‬الفرص”‭. ‬

وكان‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬محمد‭ ‬جواد‭ ‬ظريف‭ ‬قد‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬صحيفة‭ ‬“إيران”‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬إن‭ ‬“إلغاء‭ ‬بايدن‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬وعودة‭ ‬طهران‭ ‬لتعهداتها‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الذي‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتاً”‭.‬

وأوضح‭ ‬ظريف‭ ‬أن‭ ‬“إيران‭ ‬لا‭ ‬تعارض‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهذه‭ ‬القضية‭ ‬ممكنة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجموعة‭ ‬5‭+‬1”،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬“إذا‭ ‬نفذ‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬تعهدات‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬فإن‭ ‬إيران‭ ‬ستعود‭ ‬فوراً‭ ‬وبالكامل‭ ‬إلى‭ ‬تعهداتها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق”‭.‬

وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬ما‭ ‬قلناه‭ ‬بشأن‭ ‬التفاؤل‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الملالي‭ ‬بقرب‭ ‬عودة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للاتفاق،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬بالسهولة‭ ‬التي‭ ‬يتوقعونها،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬المقبلة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تتوخى‭ ‬الحذر‭ ‬وتتفادى‭ ‬الفخ،‭ ‬وتعيد‭ ‬فتح‭ ‬الملف‭ ‬للنقاش‭ ‬بالكامل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬متسرع،‭ ‬وتحول‭ ‬دون‭ ‬تكرار‭ ‬خطأ‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬بتجاهل‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬حلفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للاتفاق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شروط‭ ‬واتفاق‭ ‬مسبق‭ ‬حول‭ ‬بقية‭ ‬القضايا‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشملها‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬ميتا‭ ‬إكلينيكيا،‭ ‬سيضع‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬صعب‭ ‬ويوفر‭ ‬للملالي‭ ‬الفرصة‭ ‬لهدر‭ ‬الوقت‭ ‬ربما‭ ‬لسنوات‭ ‬رئاسة‭ ‬بايدن‭ ‬الأربع‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬صيغة‭ ‬جديدة‭ ‬لاتفاق‭ ‬نووي‭ ‬يرضي‭ ‬أهواءهم‭ ‬وفق‭ ‬نظرية‭ ‬“حائك‭ ‬السجاد”،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬التفاوض‭ ‬حول‭ ‬الاتفاق‭ ‬القديم‭ ‬يستغرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭!. ‬“إيلاف”‭.‬