لمحات

مناورة الملكة

| د.علي الصايغ

مسلسل‭ ‬أنيق‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬أخطئ‭ ‬أحياناً‭ ‬عند‭ ‬حديثي‭ ‬عنه‭ ‬لأدعوه‭ ‬بـ‭ ‬“الفيلم”؛‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يطل‭ ‬الحديث،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬بخفة‭ ‬متناهية‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬بسرعة‭ ‬وسلاسة،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬فيلماً‭ ‬في‭ ‬مدته‭ ‬وشكله،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬يكسب‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬الشخصية‭ ‬الرئيسية‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تفلت‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬ممثلات‭ ‬شخصية‭ ‬“إليزابيث”‭ ‬في‭ ‬مراحلها‭ ‬العمرية‭ ‬المختلفة‭ ‬عنصري‭ ‬الجذب‭ ‬والإثارة،‭ ‬وهي‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬قلما‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬الفنانون‭.‬

وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتجنب‭ ‬كتاب‭ ‬السيناريو‭ ‬التكرار‭ ‬في‭ ‬نصوصهم؛‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يخلقه‭ ‬من‭ ‬رتابة‭ ‬وملل‭ ‬للمشاهدين،‭ ‬أما‭ ‬هذا‭ ‬المسلسل‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬العكس‭! ‬ولشدة‭ ‬جمال‭ ‬العمل‭ ‬شكلاً‭ ‬ومضموناً،‭ ‬فإن‭ ‬المشاهد‭ ‬قد‭ ‬يغض‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬السلبيات‭ ‬المحدودة،‭ ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬المعالجة‭ ‬الدرامية‭ ‬مثلاً،‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬جداً‭ ‬ولأول‭ ‬وهلة‭ ‬بأن‭ ‬إدمان‭ ‬والدتها‭ ‬بالتبني‭ ‬على‭ ‬الكحول‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هلاكها،‭ ‬بينما‭ ‬أسهمت‭ ‬إيجابيات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مسلسل‭ ‬ناجح،‭ ‬ومنها‭ ‬قوة‭ ‬التصوير‭ ‬بتسكين‭ ‬الكاميرا‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬غير‭ ‬اعتيادية‭ ‬لتلتقط‭ ‬التقاطات‭ ‬جميلة،‭ ‬عززت‭ ‬جودة‭ ‬الأداء،‭ ‬وبلورت‭ ‬المشاعر‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬أنطق‭ ‬الشاشة‭ ‬بالأحاسيس‭.‬

وبالنسبة‭ ‬لتقديم‭ ‬أعمال‭ ‬تتضمن‭ ‬مراحل‭ ‬زمنية‭ ‬متعددة،‭ ‬وهو‭ ‬الدارج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬نص‭ ‬تلفزيوني‭ ‬مشابه،‭ ‬نوقشت‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهة‭ ‬إنتاجية،‭ ‬ذهب‭ ‬رأي‭ ‬أحدهم‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬جدوى‭ ‬هذه‭ ‬النصوص،‭ ‬واكتفيت‭ ‬حينها‭ ‬بالرد‭ ‬بذكر‭ ‬أمثلة‭ ‬لأهم‭ ‬الأعمال‭ ‬الناجحة‭ ‬المشابهة،‭ ‬أما‭ ‬رأي‭ ‬آخر،‭ ‬فكان‭ ‬عن‭ ‬صعوبة‭ ‬إيجاد‭ ‬ممثلين‭ ‬يضمنون‭ ‬التشابه‭ ‬شكلا‭ ‬ومضموناً‭ ‬للشخصية‭ ‬الواحدة،‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬فإن‭ ‬غالبية‭ ‬جهات‭ ‬الإنتاج‭ ‬تفضل‭ ‬الأسهل‭ ‬تنفيذاً،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬مسببات‭ ‬التراجع‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬الدراما‭ ‬الخليجية،‭ ‬وأضيف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الافتقار‭ ‬إلى‭ ‬مواهب‭ ‬تشبه‭ ‬مثلاً‭ ‬“آنيا‭ ‬تايلور”‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬“مناورة‭ ‬الملكة”،‭ ‬أو‭ ‬“ألفارو‭ ‬مورتي”‭ ‬في‭ ‬مسلسل‭ ‬“لا‭ ‬كاسا‭ ‬دي‭ ‬بابيل”‭.‬

إن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬الأعمال‭ ‬الأجنبية‭ ‬المنتجة‭ ‬في‭ ‬هوليوود‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬منصة‭ ‬“نتفليكس”،‭ ‬هو‭ ‬كم‭ ‬المواهب‭ ‬الراسية‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬الإبداع،‭ ‬التي‭ ‬تبحر‭ ‬بجسارة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عباب‭ ‬العدد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المنتجة‭ ‬عالمياً،‭ ‬محققة‭ ‬التفرد‭ ‬بإنتاجات‭ ‬سخية،‭ ‬مبتكرة‭ ‬ومبدعة،‭ ‬ومناورات‭ ‬جديدة،‭ ‬مختلفة‭ ‬وقيمة،‭ ‬والأهم‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬استنساخاً‭ ‬لأعمال‭ ‬تعلي‭ ‬السآمة‭.‬