ريشة في الهواء

سيدوم الحنين إليك...

| أحمد جمعة

يقول‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي‭ (‬مولانا‭) ‬“أستمعُ‭ ‬إلى‭ ‬صوت‭ ‬الناي‭ ‬كيف‭ ‬يبثُ‭ ‬آلام‭ ‬الحنين‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬منذ‭ ‬قطعت‭ ‬من‭ ‬الغاب‭ ‬وأنا‭ ‬أحنُ‭ ‬إلى‭ ‬أصلي”‭.‬

الحياة‭ ‬يا‭ ‬رفيق‭ ‬الحياة،‭ ‬صيف‭ ‬وربيع‭ ‬وخريف‭ ‬وشتاء‭... ‬دورة‭ ‬نحياها‭ ‬ونمضي،‭ ‬نتركها‭ ‬ونحن‭ ‬الفروع‭ ‬وهي‭ ‬غابة‭ ‬الأشجار،‭ ‬كم‭ ‬نَحِنُّ‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬للجذور؟‭ ‬كم‭ ‬نَحِنُّ‭ ‬للأحباء‭ ‬الذين‭ ‬يغادرون،‭ ‬نحزن‭ ‬ونتألم‭ ‬بألم‭ ‬الفراق‭... ‬لكن‭ ‬نحتمي‭ ‬بدوران‭ ‬الحياة‭ ‬واستمرارها‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تكفينا‭ ‬الذكريات‭ ‬الخالدة‭ ‬لتمتص‭ ‬من‭ ‬أعماقنا‭ ‬الألم‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬الحب‭ ‬مزروعًا‭ ‬في‭ ‬جذوة‭ ‬عروقنا،‭ ‬لنستمر‭ ‬بالعيش‭ ‬مزودين‭ ‬بزاد‭ ‬الراحلين،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحياة،‭ ‬نعيش‭ ‬دورة‭ ‬فصولها‭ ‬ونحتمي‭ ‬بحب‭ ‬من‭ ‬عشناها‭ ‬معهم‭ ‬متخذين‭ ‬من‭ ‬نهجهم‭ ‬ونبراسهم‭ ‬وابتساماتهم‭ ‬زادا‭ ‬لتمضي‭ ‬بنا‭ ‬الحياة‭.‬

إن‭ ‬أفضل‭ ‬وفاء‭ ‬لمن‭ ‬نُحب‭ ‬هو‭ ‬السير‭ ‬بطريقهم‭ ‬الذي‭ ‬فرشوه‭ ‬لنا‭ ‬وسرنا‭ ‬معهم‭ ‬عليه،‭ ‬والوفاء‭ ‬لمن‭ ‬نحب،‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬عهدنا‭ ‬له‭ ‬وأن‭ ‬نستمر‭ ‬بالحياة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬يريدنا‭... ‬وأنت‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬يا‭ ‬حبنا‭ ‬الكبير‭ ‬وفاؤنا‭ ‬لك‭ ‬هو‭ ‬استمرارنا‭ ‬بالطريق‭ ‬الذي‭ ‬فرشته‭ ‬لنا‭ ‬بالسلام‭ ‬والحب‭ ‬والخير،‭ ‬وفاؤنا‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬نمضي‭ ‬الحياة‭ ‬نحب‭ ‬ونعمل‭ ‬ونبني‭ ‬ونزرع‭ ‬ونزهر‭ ‬الحياة‭ ‬بالتفاؤل‭ ‬والرخاء‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬لنا،‭ ‬وفاؤنا‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬نمضي‭ ‬على‭ ‬طريقك‭ ‬الواضح‭ ‬كالشمس‭ ‬لا‭ ‬يخفيها‭ ‬غربال،‭ ‬كنت‭ ‬صريحًا‭ ‬وواضحًا‭ ‬ومباشرًا‭ ‬وأنت‭ ‬تتجه‭ ‬لهدفك‭ ‬السامي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬ورخائه‭ ‬وازدهاره،‭ ‬نهجك‭ ‬الحب‭ ‬لشعبك‭ ‬والسعادة‭ ‬لأبنائك‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬لنا‭ ‬ونحن‭ ‬إذ‭ ‬أردنا‭ ‬السعادة‭ ‬فقد‭ ‬فرشت‭ ‬أنت‭ ‬سجادتها‭ ‬لنا‭ ‬ولن‭ ‬نضلّ‭ ‬الطريق‭ ‬بعدك‭ ‬لأنك‭ ‬محفورٌ‭ ‬في‭ ‬وجداننا‭ ‬وميراثك‭ ‬هو‭ ‬الحب‭ ‬والعمل‭ ‬والبناء‭ ‬والتعمير،‭ ‬ولن‭ ‬نضلّ‭ ‬الطريق‭ ‬مادمنا‭ ‬نتلطع‭ ‬للشجرة‭ ‬الأصل‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬أنسلت‭ ‬الفروع‭ ‬وإليها‭ ‬نعود‭ ‬مزودين‭ ‬بالإلهام‭ ‬الذي‭ ‬يوقد‭ ‬شمعة‭ ‬الدرب‭ ‬الذي‭ ‬سنسير‭ ‬عليه‭ ‬مهما‭ ‬واجهنا‭ ‬التحديات‭ ‬ومهما‭ ‬صدمتنا‭ ‬الحياة‭ ‬بمفارقاتها‭ ‬فلدينا‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬تركتها‭ ‬لنا‭ ‬أيها‭ ‬الأب‭ ‬والإنسان‭ ‬والرمز‭ ‬خليفة‭ ‬حبنا‭ ‬الكبير‭.‬

أورثت‭ ‬لنا‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬حديقة‭ ‬زاهرة‭ ‬بالحب‭ ‬والعطاء‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلام‭ ‬والاستقرار،‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬عليها‭ ‬مثلما‭ ‬أورثتها‭ ‬لنا‭ ‬واستلمناها‭ ‬منك‭ ‬عامرة‭ ‬كما‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬رسمتها‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬وأثمرت‭ ‬هذا‭ ‬السلام‭ ‬الدائم‭... ‬فأقل‭ ‬ما‭ ‬نوفيك‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬والاستمرار‭ ‬بصيانتها‭ ‬والسير‭ ‬بخطوات‭ ‬واثقة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬خطواتك‭ ‬الثابتة،‭ ‬الحياة‭ ‬مستمرة‭ ‬ونحن‭ ‬أبناؤك‭ ‬وأنت‭ ‬مستمر‭ ‬بعروقنا‭ ‬وفي‭ ‬أعماقنا‭ ‬ليوم‭ ‬نلقاك‭ ‬وهذه‭ ‬الحياة‭ ‬ودورتها،‭ ‬صيف‭ ‬وخريف‭ ‬وربيع‭ ‬وشتاء‭... ‬حب‭ ‬وسلام‭ ‬وأمن‭ ‬واستقرار‭... ‬أجيال‭ ‬ستأتي‭ ‬وكل‭ ‬جيل‭ ‬سيحمل‭ ‬شعلة‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والحب‭ ‬والازدهار‭ ‬مادمت‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬لنا‭ ‬يا‭ ‬خليفة‭ ‬الحب‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

لا‭ ‬يموت‭ ‬الحبيب‭ ‬مادام‭ ‬الحب‭ ‬باقيا‭.‬