فوبيا البوح..

| د.حورية الديري

يمتلئ‭ ‬القلب‭ ‬بالهم‭ ‬والغم،‭ ‬فتزداد‭ ‬شحنات‭ ‬القلق،‭ ‬فتندفع‭ ‬المشاعر‭ ‬بحرقة‭ ‬داخلية،‭ ‬لا‭ ‬تطفئها‭ ‬إلا‭ ‬الفضفضة،‭ ‬ولكن‭.. ‬لم؟‭ ‬وكيف؟‭ ‬ويسارع‭ ‬نحوك‭ ‬العقل‭ ‬هامسًا‭ ‬“لا‭... ‬لا‭ ‬تتكلم،‭ ‬ستندم”،‭ ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬قصة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يصابون‭ ‬بحالة‭ ‬خوف‭ ‬وتردد‭ ‬من‭ ‬البوح‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬نفوسهم،‭ ‬وإظهارها‭ ‬للآخرين‭. ‬وهنا‭ ‬التساؤل،‭ ‬هل‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬البوح‭ ‬ذاته؟‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬من‭ ‬يباح‭ ‬لهم؟‭ ‬أم‭ ‬فيما‭ ‬نبوح‭ ‬به؟‭ ‬أم‭ ‬ماذا؟‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬كذلك،‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إنها‭ ‬إشكالية‭ ‬في‭ ‬الاتصال‭ ‬والتواصل‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ردة‭ ‬الفعل،‭ ‬والعواقب‭ ‬التي‭ ‬تلي‭ ‬البوح،‭ ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بمهارة‭ ‬التواصل‭ ‬ومجال‭ ‬التطبيق‭ ‬والممارسة؟‭ ‬عندما‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬البوح‭ ‬فالأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمنهجية‭ ‬خاصة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يدركها‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬زخم‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكلام‭ ‬والفضفضة‭.‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬أمر‭ ‬حالة‭ ‬ومقام‭.. ‬وعليه‭ ‬يتوجب‭ ‬إتقاننا‭ ‬إتيكيت‭ ‬البوح‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬لنا‭ ‬التعبير،‭ ‬وأعيها‭ ‬بتركيز‭ ‬هنا،‭ ‬لأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬والعواقب‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬عقولنا‭ ‬تقف‭ ‬أمامنا‭ ‬منعًا‭ ‬لحصول‭ ‬حالة‭ ‬الندم‭ ‬التي‭ ‬يصاب‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬نتيجة‭ ‬البوح،‭ ‬فالأمر‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬أمرين،‭ ‬هما‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬البوح‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬طبيعي‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬المتلقي،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الأول‭ ‬يستطيع‭ ‬بفنه‭ ‬ومهارته‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬الحدث‭ ‬نحو‭ ‬النتيجة‭ ‬المتوخاة‭ ‬من‭ ‬البوح،‭ ‬لذا‭ ‬فالأمر‭ ‬وعواقبه‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صنعنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬لكننا‭ ‬اعتدنا‭ ‬ألا‭ ‬نقف‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬نفعل‭ ‬ونقول‭ ‬ونندفع‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬الختامية‭ ‬لنلقي‭ ‬كل‭ ‬التبعات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تأتينا‭ ‬بما‭ ‬نريد‭.‬

نبقى‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬التكتيكات‭ ‬الفنية‭ ‬للبوح‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬والتي‭ ‬أراها‭ ‬تتمحور‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬صياغة‭ ‬الكلام‭ ‬دون‭ ‬مغالاة‭ ‬في‭ ‬المشاعر‭ ‬تجاه‭ ‬موقف‭ ‬معين،‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كواقع‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬استمالة‭ ‬المتلقي‭ ‬نحو‭ ‬الاهتمام‭ ‬الزائد‭ ‬بالحدث‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬عليه‭ ‬صورًا‭ ‬إضافية‭ ‬جديدة‭ ‬نتيجة‭ ‬تأثره‭ ‬وغلبه‭ ‬مشاعره،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يتوجب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬تجاربنا‭ ‬السابقة‭ ‬طالما‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬دون‭ ‬الكلام،‭ ‬فما‭ ‬تقع‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬كل‭ ‬تجربة‭ ‬هو‭ ‬درس‭ ‬وعبرة‭ ‬لك‭ ‬تعالج‭ ‬بها‭ ‬حالة‭ ‬الفوبيا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬لك‭. ‬والنتيجة،‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نستغني‭ ‬عن‭ ‬البوح‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬ولكن‭ ‬بوعي‭ ‬وإدراك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المرسل‭ ‬والمتلقي‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬دوره‭ ‬الإنساني،‭ ‬كي‭ ‬نساعد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬عقدة‭ ‬العقل‭ ‬من‭ ‬مسببات‭ ‬الفوبيا،‭ ‬بما‭ ‬يرفع‭ ‬مستوى‭ ‬طمأنينة‭ ‬النفس‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬الخوف‭ ‬والتردد‭.‬