مساهمة الشركات المجتمعية

| د. عبدالقادر ورسمه

تهتم‭ ‬الشركات‭ ‬بتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لتنمية‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهذه‭ ‬“المساهمة‭ ‬المجتمعية”‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الزيادة،‭ ‬وهذا‭ ‬تطور‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬العناية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭. ‬والشركات،‭ ‬وتقديرا‭ ‬لمجتمعها‭ ‬شعرت‭ ‬بضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬لتصب‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬المجتمع‭. ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬نظرة‭ ‬كل‭ ‬شركة‭ ‬لدورها‭ ‬في‭ ‬“المساهمة‭ ‬الاجتماعية”‭ ‬تتوقف‭ ‬على‭ ‬فلسفتها‭ ‬ورؤيتها‭ ‬لهذه‭ ‬المساهمة‭. ‬

و”المساهمة‭ ‬الاجتماعية”‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬الحوكمة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬الشركات‭ ‬حتي‭ ‬لا‭ ‬تغرد‭ ‬خارج‭ ‬السرب‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬النشاط‭ ‬الهام،‭ ‬وعلى‭ ‬الشركات‭ ‬وضع‭ ‬اللوائح‭ ‬والضمانات‭ ‬التي‭ ‬تسهل‭ ‬تنفيذ‭ ‬المساهمة‭ ‬المجتمعية‭ ‬بطرق‭ ‬سليمة‭ ‬ووفق‭ ‬المتطلبات‭ ‬القانونية‭. ‬ومن‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬أن‭ ‬“المساهمة‭ ‬المجتمعية”‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬شكلا‭ ‬محددا‭ ‬ونمطا‭ ‬ثابتا‭ ‬مدروسا‭ ‬بطريقة‭ ‬مؤسسية‭ ‬سليمة‭ ‬وليس‭ ‬“فتات”‭ ‬إكرامية‭ ‬أو‭ ‬“عطية‭ ‬مزين”،‭ ‬بل‭ ‬وفق‭ ‬برمجة‭ ‬مؤسسية‭ ‬ثابتة‭ ‬سليمة‭ ‬متكاملة‭. ‬

وبعض‭ ‬الشركات‭ ‬“تتفن”‭ ‬وتبدع‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تختارها‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬المفيد‭ ‬والجديد‭ ‬للمجتمع،‭ ‬كالمساهمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الطبي‭ ‬أو‭ ‬التعليمي‭ ‬أو‭ ‬أنشطة‭ ‬دعم‭ ‬الشباب‭ ‬والمرأة‭ ‬وكذلك‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لموظفي‭ ‬ومنتسبي‭ ‬الشركة،‭ ‬والأقربون‭ ‬أولى‭ ‬بالمعروف‭. ‬وهناك‭ ‬شركات‭ ‬تقدم‭ ‬المساهمة‭ ‬دون‭ ‬بث‭ ‬روح‭ ‬الشركة‭ ‬فيها‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬إبداع‭ ‬أو‭ ‬حرفية‭ ‬و‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬بالعمل‭ ‬تأدية‭ ‬واجب‭ ‬فقط‭. ‬وهناك‭ ‬فارق‭ ‬بين‭ ‬الحالتين‭. ‬وهذا‭ ‬يستدعي‭ ‬المراجعة‭ ‬لخلق‭ ‬أرضية‭ ‬عامة‭ ‬“مثالية”‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬وجه‭. ‬

وربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬تكوين‭ ‬هيئة‭ ‬“قومية”‭ ‬لوضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وتنسيق‭ ‬الأمور‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمساهمة‭ ‬المجتمعية‭ ‬للشركات‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬إطار‭ ‬عام‭ ‬يخدم‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭. ‬وهذه‭ ‬الهيئة،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬صفة‭ ‬استشارية‭ ‬أو‭ ‬إلزامية‭ ‬حسب‭ ‬التقدير،‭ ‬ولكن‭ ‬وجودها‭ ‬مهم‭ ‬لضمان‭ ‬التنفيذ‭ ‬بصورة‭ ‬وطنية‭ ‬“عامة”‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬نظرة‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬“شخصية”‭ ‬ولا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الأغراض‭ ‬الذاتية‭ ‬للشركة‭. ‬

بعض‭ ‬البلدان‭ ‬اختارت‭ ‬الذهاب‭ ‬للميل‭ ‬الإضافي،‭ ‬وقامت‭ ‬بوضع‭ ‬تشريعات‭ ‬قومية‭ ‬تلزم‭ ‬الشركات‭ ‬بتجنيب‭ ‬نسبة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬أرباحها‭ ‬وتخصيصها‭ ‬للصرف‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬المجتمعية‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬ينتقد،‭ ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬يشكل‭ ‬نوعا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬والجبايات‭ ‬على‭ ‬الشركات‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى،‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬لأن‭ ‬الشركات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بنفسها‭ ‬بتحديد‭ ‬المشاريع‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمساهمة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بالصرف‭ ‬وتوفير‭ ‬المال‭ ‬حسب‭ ‬رؤيتها‭ ‬وأولوياتها‭. ‬وهذا‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الضرائب‭ ‬التي‭ ‬تسلم‭ ‬للدولة‭ ‬عدا‭ ‬نقدا‭ ‬كفرض‭ ‬عين،‭ ‬والدولة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتصرف‭ ‬فيها‭ ‬بمطلق‭ ‬الحرية‭ ‬حسب‭ ‬الموازنات‭ ‬المعدة‭ ‬سنويا‭. ‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬مفيدا‭ ‬دراسة‭ ‬إمكانية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التجارب،‭ ‬حتى‭ ‬تؤتي‭ ‬المساهمة‭ ‬المجتمعية‭ ‬أُكلها‭ ‬هنيئا‭ ‬مريئا‭. ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيقرر‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬له‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الرابط‭ ‬الثمين‭ ‬تنمو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وتنعدم‭ ‬روح‭ ‬الأنانية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعزز‭ ‬مفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬للجميع‭ ‬ولمصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬ويساهم‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭. ‬