مُلتقطات

“أم جاسم”... ارحموني من “الفئران” بشقة

| د. جاسم المحاري

يندرج‭ ‬حق‭ ‬السكن‭ ‬المناسب‭ ‬للرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ - ‬ضمن‭ ‬عائلة‭ ‬الحقوق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬أقرّتها‭ ‬الأعراف‭ ‬المرعية‭ ‬وفصّلتها‭ ‬الالتزامات‭ ‬الحقوقية‭ ‬للتنمية‭ ‬المجتمعية‭ ‬المستدامة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحسين‭ ‬أوضاع‭ ‬أفرادها‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬وتعليمياً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬المسكن‭ ‬الملائم‭ ‬ذي‭ ‬الاشتراطات‭ ‬الصحية‭ ‬النظيفة‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬إحقاق‭ ‬هذا‭ ‬الحقّ‭ ‬بضبط‭ ‬سوق‭ ‬السكن،‭ ‬وإحاطتها‭ ‬بالضمانات‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تؤكدها‭ ‬قوائم‭ ‬الحقوق‭ ‬ومجاميع‭ ‬الالتزامات‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الموئل‭ ‬الآمن‭.‬

هذه‭ ‬المرأة‭ ‬“المُطلقة”‭ ‬باعتبارها‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيس‭ ‬ضمن‭ ‬عائلة‭ ‬الحقوق‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬بَعْلَهَا‭ ‬وتحمّلت‭ ‬زمام‭ ‬المسؤولية‭ ‬وحدها‭ ‬رغم‭ ‬طبيعتها‭ ‬الضعيفة‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬فارقته‭ ‬طلاقاً‭ ‬أو‭ ‬انفساخاً؛‭ ‬فإنّها‭ ‬تحتفظ‭ ‬بحقوقها‭ ‬دون‭ ‬انتقاص‭ ‬في‭ ‬المهر‭ ‬المؤجل،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الصداق‭ ‬المؤخر،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العوض‭ ‬المالي،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النفقة‭ ‬المستحقة‭ ‬للمتعة‭ ‬والعدة‭ ‬والصغار،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أجر‭ ‬الراضعة‭ ‬والحاضنة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مصروفات‭ ‬التعليم‭ ‬والعلاج‭ ‬والملبس،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حقّ‭ ‬التمكين‭ ‬من‭ ‬المسكن‭ ‬وأجرته،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬وفق‭ ‬أُطُر‭ ‬التشريع‭ ‬السماوي‭ ‬الحقّ،‭ ‬المحمي‭ ‬بالقوانين‭ ‬البشرية‭ ‬المحضة‭ ‬التي‭ ‬تقيها‭ ‬قساوة‭ ‬النظرة‭ ‬ودونية‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬المجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يستصغرها‭ ‬تارة‭ ‬أو‭ ‬يزدريها‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭!‬

إنّ‭ ‬حقّ‭ ‬المرأة‭ ‬المُطلقة‭ ‬في‭ ‬الرعاية‭ ‬السكنية‭ ‬وتأمينه‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬أضحى‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬المُتشعبة‭ ‬التي‭ ‬يعوزها‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء،‭ ‬وسط‭ ‬هواجس‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬انتقاص‭ ‬هذا‭ ‬الحقّ‭ ‬على‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬منهنَ،‭ ‬حين‭ ‬يُقابل‭ ‬سعيّهُنَ‭ ‬بالرفض‭ ‬أو‭ ‬التأجيل‭ ‬كحال‭ ‬المواطنة‭ ‬“أم‭ ‬جاسم”‭ ‬التي‭ ‬ضاقت‭ ‬مرارة‭ ‬العيش‭ ‬ذرعاً‭ ‬في‭ ‬تحمّلها‭ ‬لمسؤولية‭ ‬أسرة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬أفراد،‭ ‬أكبرهم‭ ‬20‭ ‬عاماً‭ ‬عاطل‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬بعد‭ ‬طلاقها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬سنوات؛‭ ‬لتظلّ‭ ‬حياتها‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الشقاء‭ ‬بعد‭ ‬إصابتها‭ ‬بـ”الديسك”‭ ‬في‭ ‬الرقبة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬معاناة‭ ‬تنقلها‭ ‬من‭ ‬شقة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يستلزمه‭ ‬هذا‭ ‬التنقل‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬مالية‭ ‬للكهرباء‭ ‬والبلدية،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يُثقلها‭ ‬من‭ ‬مصاريف‭ ‬للأثاث‭ ‬والتشطيب‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬1000‭ ‬دينار‭ ‬بحريني‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬أشبه‭ ‬بأفلام‭ ‬الخيال‭ ‬بعد‭ ‬معاناتها‭ ‬مع‭ ‬القوارض‭ ‬والحشرات‭ ‬والفئران‭ ‬و”أمّ‭ ‬أربع‭ ‬وأربعين”‭ ‬في‭ ‬شقتها‭ ‬المُؤجرة؛‭ ‬حتى‭ ‬اضطرت‭ ‬لأنْ‭ ‬تستسلم‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬نداءات‭ ‬تعجيل‭ ‬لوزارة‭ ‬الإسكان‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شقة‭ ‬تمليك‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬قولها‭.‬

نافلة‭: ‬

تُترجم‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬المادة‭ (‬11‭) ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬الحقّ‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬الملائم‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬مقوماً‭ ‬أساسياً‭ ‬للتمتع‭ ‬بتلك‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تُبقي‭ ‬المرأة‭ ‬–‭ ‬متزوجة‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬مُطلقة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدساتير‭ ‬التي‭ ‬خطّتها‭ ‬العقول‭ ‬البشرية؛‭ ‬مُواطنةً‭ ‬ومُؤسّسَةً‭ ‬ومُرَبِيَةً‭ ‬وفق‭ ‬تلك‭ ‬الأُطُر‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تُنيطها‭ ‬بالمسؤوليات‭ ‬وتمنحها‭ ‬الحقوق،‭ ‬ولاسيّما‭ ‬حقّ‭ ‬السكن‭ ‬الذي‭ ‬يؤويها‭ ‬بكرامة‭ ‬دون‭ ‬اشتراطات‭ ‬تعجيزية‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬معاناتها‭.‬