ستة على ستة

كورونا والجيل الضائع

| عطا السيد الشعراوي

رغم‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬بأنهم‭ ‬الأقل‭ ‬إصابة‭ ‬بفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬خفف‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬مصائب‭ ‬وكوارث‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬كلها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬غير‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬وقد‭ ‬تلحق‭ ‬مستقبلا‭ ‬بالأطفال،‭ ‬فكلنا‭ ‬يعايش‭ ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬غير‭ ‬السوية‭ ‬التي‭ ‬جعلتهم‭ ‬أسرى‭ ‬جدران‭ ‬البيت،‭ ‬لا‭ ‬يفارقون‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬ومخاطرها‭ ‬على‭ ‬عقولهم‭ ‬وعيونهم،‭ ‬فاكتفوا‭ ‬بهذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬والألعاب‭ ‬وهذا‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬واستغنوا‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭ ‬مع‭ ‬أسرهم‭ ‬وآبائهم‭.‬

وجاءت‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للطفولة‭ ‬“اليونيسف”‭ ‬لتعمق‭ ‬الجراح‭ ‬وتزيد‭ ‬الهموم،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭ ‬صدر‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعنوان‭ ‬“تجنب‭ ‬ضياع‭ ‬جيل‭ ‬كوفيد”،‭ ‬أن‭ ‬الأعراض‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬خفيفة،‭ ‬لكن‭ ‬العدوى‭ ‬تواصل‭ ‬الارتفاع،‭ ‬والتأثير‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والتغذية‭ ‬والرفاهية‭ ‬لجيل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬حياتهم‭ ‬ويجعل‭ ‬مستقبل‭ ‬جيل‭ ‬بأكمله‭ ‬في‭ ‬خطر‭.‬

وبين‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬ثلث‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬شملها‭ ‬التحليل‭ ‬وعددها‭ ‬140‭ ‬دولة‭ ‬شهدت‭ ‬انخفاضا‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭ % ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية،‭ ‬مثل‭ ‬التحصين‭ ‬الروتيني،‭ ‬وعلاج‭ ‬أمراض‭ ‬الطفولة‭ ‬المعدية‭ ‬في‭ ‬العيادات‭ ‬الخارجية،‭ ‬وخدمات‭ ‬صحة‭ ‬الأم،‭ ‬بسبب‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬انتقال‭ ‬العدوى،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬تفادي‭ ‬ضياع‭ ‬جيل‭ ‬كامل،‭ ‬حيث‭ ‬يهدد‭ ‬كورونا‭ ‬بإحداث‭ ‬ضرر‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬الأطفال‭ ‬وتغذيتهم‭ ‬ورفاههم‭.‬

إن‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬في‭ ‬عجز‭ ‬وحيرة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬خوفهم‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬أطفالهم،‭ ‬ما‭ ‬يدفعهم‭ ‬لتشديد‭ ‬الحصار‭ ‬“البيتي”‭ ‬عليهم‭ ‬ومباركة‭ ‬“تقوقعهم”‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬ومع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬قلقهم‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬وهذا‭ ‬التلازم‭ ‬الطويل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬ومساوئها،‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬إخراجهم‭ ‬منها‭ ‬ليتنفسوا‭ ‬ولو‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬الحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬نسوها‭ ‬وتولدت‭ ‬لديهم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تذكرها‭ ‬وممارستها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬مدركين‭ ‬العواقب‭ ‬المستقبلية‭ ‬الوخيمة‭ ‬عليهم‭. ‬

هي‭ ‬دعوة‭ ‬لعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬وخبراء‭ ‬التربية‭ ‬ليحددوا‭ ‬لنا‭ ‬معالم‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬وسبل‭ ‬الإخراج‭ ‬الآمن‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬“العزلة”‭ ‬الحالية‭ ‬وكيفية‭ ‬تلافي‭ ‬آثارها‭ ‬والتعامل‭ ‬معهم‭ ‬مستقبلا‭.‬