خليفة بن سلمان الحاضر الحاضر

| حسن عبدالله المدني

في‭ ‬لحظات‭ ‬مشحونة‭ ‬بالحزن‭ ‬والأسى‭ ‬على‭ ‬فقيد‭ ‬الوطن‭ ‬والأمة‭ ‬تزدحم‭ ‬الذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬لقائد‭ ‬عظيم‭ ‬أعطى‭ ‬وضحى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أمته‭ ‬ووطنه،‭ ‬فقد‭ ‬عرفت‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬طفلاً‭ ‬حين‭ ‬التقيت‭ ‬سموه‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬مطلع‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وكنت‭ ‬برفقة‭ ‬والدي‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬المدني‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬المواقف،‭ ‬ولم‭ ‬يحل‭ ‬صغر‭ ‬سني‭ ‬آنذاك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أتشرف‭ ‬بالكلام‭ ‬مع‭ ‬سموه‭ ‬الكريم‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يهتم‭ ‬بالجميع‭ ‬ويسأل‭ ‬عن‭ ‬أحوالهم،‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬سموه‭ ‬العامر‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬مدرسة‭ ‬حقيقية‭ ‬ونهجا‭ ‬ثابتا‭ ‬متأصلا‭ ‬توارثه‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الكرام‭ ‬كابرا‭ ‬عن‭ ‬كابر‭.‬

ومن‭ ‬اللقاءات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬حين‭ ‬زار‭ ‬سموه‭ ‬جدحفص‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وتجول‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭ ‬سيرا‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬مع‭ ‬الأهالي‭ ‬مستطلعا‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬وتطلعاتهم،‭ ‬وقد‭ ‬أثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬المباركة‭ ‬لسموه‭ ‬مشروعات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تؤتي‭ ‬ثمارها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬وهي‭ ‬إسكان‭ ‬جدحفص‭ ‬الشرقي،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬مشاريع‭ ‬الإسكان‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬ومركز‭ ‬جدحفص‭ ‬الصحي،‭ ‬ومستشفى‭ ‬جدحفص‭ ‬للولادة،‭ ‬ومدرسة‭ ‬جدحفص‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬التي‭ ‬أفادت‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬جدحفص‭ ‬والقرى‭ ‬المجاورة‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬أثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬عن‭ ‬تجديد‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لمنطقة‭ ‬جدحفص،‭( ‬وأما‭ ‬وما‭ ‬ينفع‭ ‬الناس‭ ‬فيمكث‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وأما‭ ‬الزبد‭ ‬فيذهب‭ ‬جفاء‭)‬،‭ ‬وتتكرر‭ ‬زياراته‭ ‬الميمونة‭ ‬لجدحفص‭ ‬وللقرى‭ ‬والمناطق‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تفقده‭ ‬لأحوال‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬كثب،‭ ‬ويحتفظ‭ ‬الأهالي‭ ‬بصور‭ ‬تذكارية‭ ‬مع‭ ‬سموه‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الإعجاب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الفذة‭ ‬حقا‭ ‬هو‭ ‬حبه‭ ‬الصادق‭ ‬للناس‭ ‬والمبادرة‭ ‬الدائمة‭ ‬لخدمتهم‭ ‬والسؤال‭ ‬الدائم‭ ‬عنهم‭ ‬ومعرفته‭ ‬لكل‭ ‬عوائل‭ ‬البحرين‭ ‬وعلاقاته‭ ‬الوثيقة‭ ‬معهم‭.‬

وقد‭ ‬حظيت‭ ‬بلقاء‭ ‬سموه‭ ‬والتشرف‭ ‬بالحديث‭ ‬إليه‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬موظفا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬العلم،‭ ‬ثم‭ ‬أتاحت‭ ‬لي‭ ‬وظيفتي‭ ‬بعد‭ ‬التشرف‭ ‬بالثقة‭ ‬الملكية‭ ‬السامية‭ ‬في‭ ‬تعييني‭ ‬نائبا‭ ‬لمحافظ‭ ‬محافظة‭ ‬العاصمة‭ ‬أن‭ ‬أحظى‭ ‬بلقاء‭ ‬سموه‭ ‬مرات‭ ‬عديدة،‭ ‬ورأيت‭ ‬كيف‭ ‬يقصده‭ ‬أصحاب‭ ‬الحاجات‭ ‬لثقتهم‭ ‬أن‭ ‬سموه‭ ‬سوف‭ ‬يهتم‭ ‬شخصيا‭ ‬بحل‭ ‬قضاياهم‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬القدر‭ ‬قد‭ ‬غيب‭ ‬عنا‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬جسدا‭ ‬فإننا‭ ‬نراه‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬أبنائه‭ ‬وأحفاده‭ ‬حفظهم‭ ‬الله‭ ‬الذين‭ ‬حملوا‭ ‬ذات‭ ‬القيم،‭ ‬وفي‭ ‬نهجه‭ ‬الحكيم،‭ ‬ومدرسته‭ ‬التي‭ ‬أرسى‭ ‬دعائمها،‭ ‬ومنجزاته‭ ‬التي‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬القاصي‭ ‬والداني،‭ ‬ونراه‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬محبيه‭ ‬الذين‭ ‬آلامهم‭ ‬مصاب‭ ‬فقده‭.‬