خليفة بن سلمان... قيادة تاريخية فذة

| صباح سالم الدوسري

نادرة‭ ‬هي‭ ‬القيادات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬ملاحم‭ ‬وطنية‭ ‬وإنجازات‭ ‬حضارية‭ ‬متحدية‭ ‬وعورة‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسة‭ ‬والأقاليم‭ ‬التي‭ ‬تموج‭ ‬بالأزمات‭ ‬والمصالح‭ ‬المعقدة‭ ‬وما‭ ‬تتطلبه‭ ‬من‭ ‬حنكة‭ ‬استثنائية‭ ‬للعبور‭ ‬بسفينة‭ ‬الوطن‭ ‬رغم‭ ‬الأمواج‭ ‬العاتية‭ ‬إلى‭ ‬شاطئ‭ ‬الأمان،‭ ‬هنا‭ ‬تتمايز‭ ‬القيادة‭ ‬التاريخية‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬لتقرأ‭ ‬الأجيال‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬عن‭ ‬خصائص‭ ‬تلك‭ ‬القيادة‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬مجدا‭ ‬وبنت‭ ‬وطنا‭ ‬ورفعت‭ ‬شعبا‭ ‬يتباهى‭ ‬به‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭.‬

ويأتي‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭ ‬ليكون‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬التاريخيين‭ ‬الذين‭ ‬وهبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬لخدمة‭ ‬وطنهم‭ ‬وشعبهم،‭ ‬مسلحا‭ ‬بعزيمة‭ ‬لا‭ ‬تلين‭ ‬وإصرار‭ ‬متين‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬يؤسس‭ ‬لدولة‭ ‬حديثة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬أمنا‭ ‬وحضارة‭ ‬وتطورا،‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬جبارة‭ ‬تستطيع‭ ‬رغم‭ ‬ندرة‭ ‬الموارد‭ ‬وشحة‭ ‬الظروف‭ ‬المؤهلة‭ ‬لفرص‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الظروف،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬صنعه‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬لتكون‭ ‬قصة‭ ‬بناء‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬بدأها‭ ‬منذ‭ ‬والده‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ليواصل‭ ‬عطاءه‭ ‬عضدا‭ ‬ومساعدا‭ ‬لحضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تشعبات‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬مضنٍ‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬البلاد،‭ ‬وفيها‭ ‬من‭ ‬تراكمات‭ ‬الإنجازات‭ ‬ما‭ ‬يعجز‭ ‬أن‭ ‬يتناوله‭ ‬مقال‭ ‬في‭ ‬صحيفة،‭ ‬فإننا‭ ‬نقف‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬التي‭ ‬نفتقد‭ ‬فيها‭ ‬سموه‭ ‬إلى‭ ‬محطات‭ ‬تاريخية‭ ‬شكلت‭ ‬منعطفا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كان‭ ‬لسموه‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬ومحوري‭ ‬نحو‭ ‬إرساء‭ ‬تاريخ‭ ‬حديث‭ ‬يليق‭ ‬بتاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭.‬

منذ‭ ‬العام‭ ‬1954‭ ‬اضطلع‭ ‬سموه‭ ‬بمهام‭ ‬إدارية‭ ‬وتنفيذية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناصب‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬إدارات‭ ‬الدولة‭ ‬خاصة‭ ‬الخدمية‭ ‬منها‭ ‬والمالية‭ ‬مما‭ ‬أكسبه‭ ‬خبرة‭ ‬مبكرة‭ ‬تراكمت‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬السنين‭ ‬حتى‭ ‬استقلال‭ ‬البحرين‭ ‬وتعيينه‭ ‬رئيسا‭ ‬للوزراء‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1971،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬فقيد‭ ‬البلاد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إرساء‭ ‬عروبة‭ ‬البحرين‭ ‬لتكون‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬جغرافيتها‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬هويتها‭ ‬وانتمائها‭ ‬القومي‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ليكون‭ ‬لولا‭ ‬الحنكة‭ ‬السياسة‭ ‬لقادة‭ ‬البلاد‭ ‬والتفاف‭ ‬شعب‭ ‬البحرين‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الهوية‭ ‬بقيادة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الكرام‭.‬

لقد‭ ‬بنى‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تنموية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬آخذا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الاعتبار‭ ‬ندرة‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فكان‭ ‬اهتمامه‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬البحرين‭ ‬مركزا‭ ‬ماليا‭ ‬متطورا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وجذب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المالية‭ ‬رافق‭ ‬ذلك‭ ‬تطوير‭ ‬للموارد‭ ‬البشرية‭ ‬الوطنية‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للكفاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬والبنوك‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وما‭ ‬النهضة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المصرفية‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬سموه‭ ‬لتواكب‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬المصرفية‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬واقتدار،‭ ‬معززة‭ ‬بذلك‭ ‬موقعها‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭.‬

بموازاة‭ ‬الإنجازات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬حققها‭ ‬الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬ومع‭ ‬حجم‭ ‬مختلف‭ ‬التحديات‭ ‬وطبيعة‭ ‬ترؤس‭ ‬الهرم‭ ‬التنفيذي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صورة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬الإنسان‭ ‬لم‭ ‬تتوارَ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬حريصا‭ ‬كل‭ ‬الحرص‭ ‬بأن‭ ‬يبقى‭ ‬قريبا‭ ‬إلى‭ ‬شعبه،‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬همومهم‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زياراته‭ ‬الميدانية‭ ‬لمختلف‭ ‬وقرى‭ ‬البحرين‭ ‬ولقاءاته‭ ‬مع‭ ‬القاعدة‭ ‬الشعبية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجلسه‭ ‬العامر‭ ‬الذي‭ ‬يستقبل‭ ‬فيه‭ ‬نخبة‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬يتبادل‭ ‬معهم‭ ‬شؤون‭ ‬وشجون‭ ‬المجتمع‭ ‬ويبحث‭ ‬معهم‭ ‬المستجدات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬المحلي‭ ‬والإقليمي‭.‬

إن‭ ‬البحرين‭ ‬إذ‭ ‬تفقد‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها‭ ‬البررة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدم‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقدمه‭ ‬قائدا‭ ‬فذا‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬فإن‭ ‬بصماته‭ ‬ستبقى‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬هذا‭ ‬الشعب،‭ ‬وإن‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقدمه‭ ‬لخليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬هو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬المكسبات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬ومواصلة‭ ‬الدرب‭ ‬بنفس‭ ‬العزيمة‭ ‬والإصرار‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬العاهل‭ ‬المفدى،‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬وحكومته‭ ‬الموقرة‭ ‬برئاسة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬نائب‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬خير‭ ‬خلف‭ ‬لخير‭ ‬سلف‭ ‬لقيادة‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وكلنا‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬إنجازات‭ ‬وتعاونا‭ ‬وثيقا‭ ‬مع‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية‭ ‬بغرفتيها‭ ‬النواب‭ ‬والشورى؛‭ ‬لكي‭ ‬تبقى‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭.‬