عمود أكاديمي

الأمير خليفة بن سلمان: رحيل رجل الدولة ومؤسسها

| د. باقر النجار

لربما‭ ‬تقف‭ ‬الكلمات‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬سطر‭ ‬وقيل‭ ‬عاجزًا‭ ‬عن‭ ‬الإيفاء‭ ‬بحق‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬وعطائه‭ ‬للمجتمع‭ ‬البحريني‭. ‬إذ‭ ‬يمثّل‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الشخصيات‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر،‭ ‬إذ‭ ‬يبقى‭ ‬الراحل‭ ‬يمثل‭ ‬بحق‭ ‬مؤسّس‭ ‬للدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬ومُشكّل‭ ‬مساراتها‭ ‬والشاهد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تحولاتها‭ ‬المفصليّة‭ ‬منذ‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬مبالغًا‭ ‬عندما‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬قد‭ ‬مثلت‭ ‬رؤاه‭ ‬وتطلعاته‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للبحرين‭ ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭.‬

‭  ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬القائد‭ ‬الراحل‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬يذهب‭ ‬إليهم‭ ‬حيث‭ ‬هم‭ ‬ويأتون‭ ‬إليه‭. ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬كل‭ ‬الأسر‭ ‬البحرينية‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬قطنت‭ ‬البحرين‭ ‬وأصبحت‭ ‬بفعل‭ ‬الزمن‭ ‬والاندماج‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬لقد‭ ‬عرفهم‭ ‬بكل‭ ‬مواقعهم‭ ‬الطبقية‭ ‬والاثنية‭ ‬والدينية‭ ‬والقومية‭.. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬قريبًا‭ ‬من‭ ‬عرب‭ ‬البحرين‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬عجمها‭. ‬وكان‭ ‬يصل‭ ‬سكانها‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬شيعتها،‭ ‬ويستمع‭ ‬لشكواهم،‭ ‬ويلبي‭ ‬حاجاتهم‭ ‬ويحل‭ ‬مشاكلهم‭... ‬وأتقن‭ ‬فن‭ ‬التواصل‭ ‬معهم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬قطاعات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬الأخرى‭ ‬باختلاف‭ ‬أديانهم‭ ‬وأعراقهم‭. ‬وعكس‭ ‬مجلس‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬الأسبوعي‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬ربطته‭ ‬بالناس‭ ‬وارتبطوا‭ ‬به‭... ‬وهو‭ ‬مجلس‭ ‬يمثّل‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬وهذه‭ ‬الخبرة‭ ‬بالناس‭ ‬والمجتمع‭..‬

‭ ‬كما‭ ‬ويعود‭ ‬إليه‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سعيه‭ ‬الحثيث‭ ‬على‭ ‬تعميم‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كالتعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والإسكان‭...‬‭ ‬وغيرها‭ ‬لكل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مناطقهم‭ ‬المختلفة‭.. ‬بل‭ ‬وأحرزت‭ ‬البحرين،‭ ‬بفعل‭ ‬كمِّ‭ ‬ونوعِ‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬موقعًا‭ ‬متقدمًا‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬والمركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬كما‭ ‬وحرص‭ ‬سموه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬قيادة‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭...‬لقد‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬مؤمنًا‭ ‬بقدرة‭ ‬البحرينيين‭ ‬كل‭ ‬البحرينيين‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬والتميز‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والمعرفة‭.. ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬بفعل‭ ‬ما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬وطموحات‭ ‬لهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الولوج‭ ‬لمجتمع‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬إمكانياته‭ ‬وقدراته‭ ‬المعرفيه‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬والبشرية‭.‬

‭ ‬وبفضل‭ ‬رؤاه‭ ‬عرفت‭ ‬البحرين‭ ‬المشاريع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبيرة‭ ‬كمشروع‭ ‬ألبا‭ ‬والحوض‭ ‬الجاف‭ ‬ومشاريع‭ ‬الصناعات‭ ‬البترولية‭ ‬والبتروكيمائية‭... ‬وغيرها‭ ‬وهي‭ ‬مشاريع‭ ‬وفّرت‭ ‬للبحرينيين‭ ‬فرصًا‭ ‬للعمل‭ ‬والترقي‭ ‬والصعود‭ ‬الاجتماعي‭...‬

‭ ‬لقد‭ ‬أكسبت‭ ‬الحياة‭ ‬والخبرات‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بُعدًا‭ ‬في‭ ‬البصيره‭ ‬وفهمًا‭ ‬عميقًا‭ ‬بسلوك‭ ‬الناس‭ ‬ومتطلبات‭ ‬وآليات‭ ‬عمل‭ ‬الدولة‭. ‬فهو‭ ‬وإن‭ ‬ربطته‭ ‬بالناس‭ ‬والمجتمع‭ ‬نمط‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فإن‭ ‬إدارته‭ ‬للدولة‭ ‬قد‭ ‬تميّزت‭ ‬بالصرامة‭ ‬والأخذ‭ ‬بأسباب‭ ‬القوة‭ ‬البشرية‭ ‬والمعرفية‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬والتسامح‭ ‬وتجاوز‭ ‬العقبات‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭.‬

‭ ‬وبرحيل‭ ‬سموه‭ ‬فإن‭ ‬البحرين‭ ‬سوف‭ ‬تفتقد‭ ‬لقائد‭ ‬فذ‭ ‬وسياسي‭ ‬حكيم‭... ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مسيرة‭ ‬التطور‭ ‬مستمرة‭ ‬بقيادة‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬قائد‭ ‬المسيرة‭ ‬والدافع‭ ‬نحو‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬ويدعم‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة‭ ‬الطموح‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والصعود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬ورئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭... ‬وأن‭ ‬البحرين‭ ‬بفضل‭ ‬القيادة‭ ‬التي‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬عليها،‭ ‬لهي‭ ‬موعودة‭ ‬بتطورات‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬مستقبلية‭ ‬كبيرة‭ ‬تنعكس‭ ‬خيرًا‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬بكل‭ ‬أفراده‭ ‬وقطاعاته‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬