رَجُل دولة... بحجم أمة

| عبدعلي الغسرة

عمَّ‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ونكست‭ ‬أعلامها‭ ‬برحيل‭ ‬القائد‭ ‬والإنسان‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬سموه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬يتمتع‭ ‬بشخصية‭ ‬وطنية‭ ‬وقومية‭ ‬جعلته‭ ‬رجل‭ ‬دولة‭ ‬ورئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬وقبلها‭ ‬كان‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬الدولة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬عبء‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الإدارية‭ ‬والمالية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬والده،‭ ‬فقد‭ ‬جمع‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بين‭ ‬صفتي‭ ‬القائد‭ ‬والإنسان،‭ ‬فصفة‭ ‬القائد‭ ‬كونه‭ ‬تحمل‭ ‬عبء‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬لبلاده‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواقع‭ ‬الإدارية‭ ‬والمالية‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬رئاسته‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬حيث‭ ‬تحققت‭ ‬للبحرين‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بفضل‭ ‬إدارته‭ ‬المتميزة‭ ‬للملفات‭ ‬ومتابعته‭ ‬الدائمة‭ ‬للمشاريع‭ ‬وتوجيهاته‭ ‬الدائمة‭ ‬للوزراء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬عنها‭ ‬وحثه‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬بالعمل‭ ‬والعطاء‭ ‬بدون‭ ‬حدود‭ ‬للبحرين‭ ‬وشعبها‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬إنسانًا‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬والصفات،‭ ‬وهي‭ ‬فطرة‭ ‬بشرية‭ ‬أوجدها‭ ‬الله‭ ‬فيه‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬حُبه‭ ‬للناس‭ ‬وحُب‭ ‬الناس‭ ‬له،‭ ‬وما‭ ‬جعله‭ ‬أهلًا‭ ‬لهذا‭ ‬الوصف‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬نافعة‭ ‬للناس‭ ‬جميعًا،‭ ‬وبما‭ ‬اتصف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المودة‭ ‬التي‭ ‬رسخها‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬ولقاءاته‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬المواطنين،‭ ‬وإن‭ ‬أفضل‭ ‬الناس‭ ‬لديه‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬يعمل‭ ‬لأجل‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬وهي‭ ‬القاعدة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للعمل‭ ‬الإنساني،‭ ‬فالخدمات‭ ‬والأعمال‭ ‬النافعة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬سموه‭ ‬للبحرين‭ ‬وشعبها‭ ‬كثيرة،‭ ‬وبكوْن‭ ‬هذا‭ ‬العطاء‭ ‬إنسانيًا‭ ‬فهو‭ ‬أيضًا‭ ‬تتجلى‭ ‬فيه‭ ‬صفات‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬تفيض‭ ‬خدماته‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭.‬

كان‭ ‬يؤمن‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بسياسة‭ ‬الباب‭ ‬المفتوح،‭ ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬بابه‭ ‬مغلقًا‭ ‬أمام‭ ‬أحد،‭ ‬ودائمًا‭ ‬يوجه‭ ‬الوزراء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بالمواطنين‭ ‬وجعل‭ ‬أبواب‭ ‬مكاتبهم‭ ‬مفتوحة،‭ ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬اللقاءات‭ ‬التي‭ ‬تشرفت‭ ‬بحضورها‭ ‬“جميعنا‭ ‬موجودون‭ ‬لخدمة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وإذا‭ ‬أغلقنا‭ ‬أبوابنا‭ ‬أمامهم‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نسمعهم”،‭ ‬وهو‭ ‬توجيه‭ ‬كريم‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬وجعل‭ ‬الثقة‭ ‬متبادلة‭ ‬ومستدامة‭ ‬بينهم‭. ‬وأضاف‭ ‬سموه‭ ‬“إن‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬المواطنين‭ ‬يُحقق‭ ‬التقارب‭ ‬والتشارك‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين‭ ‬والمواطنين”‭.‬

كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الصفات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والقيادية‭ ‬التي‭ ‬تحلى‭ ‬بها‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬باعتبارها‭ ‬صفات‭ ‬شخصية‭ ‬وجدانية‭ ‬تحلى‭ ‬بها‭ ‬سموه‭ ‬وبرزت‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬أفرادًا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬ودولا،‭ ‬مواطنين‭ ‬ومسؤولين،‭ ‬رجالاً‭ ‬ونساء،‭ ‬والتي‭ ‬شكلت‭ ‬هوية‭ ‬سموه‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والوطنية‭ ‬وجعلت‭ ‬منه‭ ‬راعيًا‭ ‬وأمينًا‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا،‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬متطلبات‭ ‬العيش‭ ‬الرغيد‭ ‬لهم‭ ‬متحسسًا‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬وعاملًا‭ ‬على‭ ‬حلها،‭ ‬وهاهي‭ ‬البحرين‭ ‬تودع‭ ‬قائدًا‭ ‬عظيمًا‭ ‬عمل‭ ‬لوطنه‭ ‬وشعبه‭.‬

وقليلٌ‭ ‬هُم‭ ‬الرجال‭ ‬الذين‭ ‬يُخلدهم‭ ‬التاريخ،‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬أمجاد‭ ‬أممهم‭ ‬وبذلوا‭ ‬الكثير‭ ‬لعزةِ‭ ‬أوطانهم،‭ ‬أولئك‭ ‬الرجال‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬منهم‭ ‬التحديات‭ ‬ولم‭ ‬تنكسهم‭ ‬الأزمات،‭ ‬بل‭ ‬زادتهم‭ ‬إصرارًا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافهم،‭ ‬فقد‭ ‬بذل‭ ‬سموه‭ ‬كُل‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬الجُهد‭ ‬الفكري‭ ‬والبدني‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيادة‭ ‬البحرين‭ ‬العربية‭ ‬وإقامة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وأفادت‭ ‬العباد،‭ ‬ولعب‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬دورًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬استقلال‭ ‬الوطن‭ ‬ونهضته‭ ‬ورفعته‭.‬

كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬قائدا‭ ‬عظيما‭ ‬ورجل‭ ‬دولة‭ ‬حكيما،‭ ‬ودرعا‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬دروع‭ ‬الوطن،‭ ‬وأبهرت‭ ‬إسهاماته‭ ‬البعيد‭ ‬قبل‭ ‬القريب،‭ ‬فأعطى‭ ‬لبلاده‭ ‬أغلى‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬فارتفع‭ ‬عاليًا‭ ‬كالطود‭ ‬الشامخ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزيده‭ ‬الأيام‭ ‬إلا‭ ‬ثباتًا‭ ‬ورسوخًا،‭ ‬فتميزت‭ ‬قيادته‭ ‬بالحكمة‭ ‬والرأي‭ ‬السديد،‭ ‬مستنيرًا‭ ‬بعقلية‭ ‬المناضل‭ ‬الجسور،‭ ‬وجرأة‭ ‬السياسي‭ ‬الوطني‭ ‬الغيور‭. ‬كان‭ ‬بشخصية‭ ‬تشبع‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬وشجاعة،‭ ‬نال‭ ‬بإنجازاته‭ ‬ومساهماته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭ ‬التقديرية،‭ ‬جوائز‭ ‬بحرينية‭ ‬وخليجية‭ ‬وعربية‭ ‬وإقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬جوائز‭ ‬نالها‭ ‬تقديرًا‭ ‬لقامته‭ ‬الرفيعة‭ ‬ووفاءً‭ ‬لإنجازاته‭ ‬ومواقفه‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬ينساها‭ ‬أحد،‭ ‬وهو‭ ‬تقدير‭ ‬غال‭ ‬تضعه‭ ‬البحرين‭ ‬وسام‭ ‬شرف‭ ‬على‭ ‬صدرها‭.‬

الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬رجُل‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬الأصيل‭ ‬المُفعم‭ ‬بالقيم‭ ‬والمُرسخ‭ ‬بالمبادئ‭ ‬والثوابت،‭ ‬زمن‭ ‬خاض‭ ‬بحرهُ‭ ‬بشجاعته‭ ‬ليكون‭ ‬الدرة‭ ‬الثمينة‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭.. ‬ابنًا‭ ‬وجنديًا‭ ‬ومدافعًا‭ ‬عنه‭ ‬وحاميًا‭ ‬له‭. ‬رحل‭ ‬والمداد‭ ‬يَعجز‭ ‬عن‭ ‬تدوين‭ ‬كل‭ ‬مواقفه‭ ‬النبيلة‭ ‬تجاه‭ ‬البحرين‭ ‬وشعبها،‭ ‬مواقف‭ ‬كثيرة‭ ‬وعديدة،‭ ‬لأن‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وعن‭ ‬مآثره‭ ‬يعني‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬البحرين‭ ‬ومنجزاتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والرياضية‭ ‬وغيرها،‭ ‬هذه‭ ‬المنجزات‭ ‬ستظل‭ ‬سيمفونية‭ ‬تترنم‭ ‬بها‭ ‬الأجيال‭.‬

إن‭ ‬التاريخ‭ ‬خيرَ‭ ‬منصف‭ ‬لمن‭ ‬حمل‭ ‬هم‭ ‬الوطن‭ ‬وتطلعات‭ ‬أبنائه،‭ ‬فكان‭ ‬مثالًا‭ ‬للإخلاص‭ ‬لبلاده،‭ ‬وسيبقى‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬البحرينية‭ ‬بفضل‭ ‬أعماله‭ ‬وقربه‭ ‬من‭ ‬شعبه‭ ‬ودعمه‭ ‬المتواصل‭ ‬لجميع‭ ‬الأنشطة‭ ‬والفعاليات‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭. ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البحرين‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وكان‭ ‬حريصًا‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬تجربة‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لأقطار‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وداعمًا‭ ‬لجهود‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وقرارات‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬العدل‭ ‬والسلام‭ ‬والتنمية،‭ ‬وبذلك‭ ‬استحق‭ ‬سموه‭ ‬جائزة‭ ‬الشرف‭ ‬للإنجاز‭ ‬المُتميز‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تقديرًا‭ ‬لجهوده‭ ‬الوطنية‭ ‬والخليجية‭ ‬والعربية‭ ‬والدولية‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬وأسكنك‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭ ‬وألهم‭ ‬البحرين‭ ‬وقيادتها‭ ‬وشعبها‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان،‭ ‬وإنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬