وفاءً لفقيد الوطن الكبير

| مشعل العبسي

لن‭ ‬يُخط‭ ‬قلما‭ ‬يوفي‭ ‬قيمة‭ ‬فقيد‭ ‬الوطن‭ ‬الكبير‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬رجل‭ ‬الدولة‭ ‬والميداني‭ ‬الأول‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬رأت‭ ‬أعيننا‭ ‬وأعين‭ ‬آبائنا‭ ‬النور،‭ ‬المدرسة‭ ‬التربوية‭ ‬والنهج‭ ‬القويم،‭ ‬رجل‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬ومؤسس‭ ‬البحرين‭ ‬الحديثة،‭ ‬رجل‭ ‬المنجزات‭ ‬والمعطيات‭ ‬وصانع‭ ‬النهضة،‭ ‬رجل‭ ‬الأحداث‭ ‬والمواقف‭ ‬الجليلة‭ ‬والمدرسة‭ ‬الشاملة،‭ ‬رجل‭ ‬العطاء‭ ‬والأذن‭ ‬الصاغية‭ ‬والأمر‭ ‬المباشر‭. ‬

فقيد‭ ‬الوطن‭ ‬الكبير،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬وطنًا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته،‭ ‬شارك‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬أحزانهم‭ ‬قبل‭ ‬أفراحهم‭ ‬ووصل‭ ‬الجميع‭ ‬بيت‭ ‬بيت‭ ‬،‭ ‬وبمجلس‭ ‬ديوان‭ ‬سموّه‭ ‬والذي‭ ‬تشرفنا‭ ‬بحضوره‭ ‬والإستماع‭ ‬لكلمات‭ ‬سموّه،‭ ‬المجلس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬روح‭ ‬الوطن‭ ‬وكل‭ ‬كلمة‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬سموّه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬درس‭ ‬عميق،‭ ‬ونبراسا‭ ‬نستنير‭ ‬به‭ ‬واستفادة‭ ‬عظيمة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬سموّه‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الرمضاني‭ ‬لابنه‭ ‬البار‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬المعين‭ ‬واليد‭ ‬اليمنى‭ ‬لسموّه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬فجزاه‭ ‬الله‭ ‬خير‭ ‬الجزاء،‭ ‬فرحمه‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬يعتاد‭ ‬النظر‭ ‬للجميع‭ ‬قبل‭ ‬الجلوس،‭ ‬والسؤال‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬طال‭ ‬به‭ ‬الغيبة‭ ‬بالأسم‭ ! ‬ويسأل‭ ‬الابن‭ ‬عن‭ ‬أبيه‭ ‬والأب‭ ‬عن‭ ‬أبنائه،‭ ‬والغريب‭ ‬عن‭ ‬قدومه،‭ ‬والقريب‭ ‬عن‭ ‬أحواله،‭ ‬والمسافر‭ ‬عن‭ ‬أخباره،‭ ‬والمريض‭ ‬عن‭ ‬صحته،‭ ‬والطالب‭ ‬عن‭ ‬دراسته،‭ ‬والمحتاج‭ ‬عن‭ ‬حاجته،‭ ‬يذكر‭ ‬الأسماء‭ ‬بأسمائها‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وكأنه‭ ‬أب‭ ‬لهم‭ ‬وهو‭ ‬كذلك،‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬مرتجلاً‭ ‬للشعب‭ ‬امام‭ ‬بيت‭ ‬سموّه‭ ‬“أنا‭ ‬منكم‭ ‬ومعكم‭ ‬ولن‭ ‬اتخلى‭ ‬عنكم،‭ ‬والله‭ ‬يقدرنا‭ ‬على‭ ‬خدمتكم‭ ‬وأنتم‭ ‬سناد‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬وأشكركم”‭.‬

كيف‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬تنشأ‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬والده‭ ‬صاحب‭ ‬العظمة‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفه‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مساعدا‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬والده‭ ‬منذ‭ ‬ريعان‭ ‬شبابه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ومن‭ ‬بعده‭ ‬شق‭ ‬طريقه‭ ‬نحو‭ ‬آفاق‭ ‬الدولة‭ ‬ومراكزها‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فبدأ‭ ‬مسؤوليته‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬بحث‭ ‬مشكلة‭ ‬الإيجارات‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٥٤‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬رئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬المعارف‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٥٧‬‭ ‬وعضوا‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬ذاته،‭ ‬مرورا‭ ‬بعضوية‭ ‬اللجنة‭ ‬المكلفة‭ ‬ببحث‭ ‬شؤون‭ ‬موظفي‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٥٨‬،‭ ‬وعُيّن‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٦٠‬‭ ‬رئيساً‭ ‬لمالية‭ ‬الحكومة،‭ ‬ورئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬الري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮١٩‬‮٦١‬‭ ‬ورئيساً‭ ‬لبلدية‭ ‬المنامة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٦٢‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬ليكون‭ ‬رئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬النقد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٦٤‬‭ ‬،‭ ‬وفي‭  ‬عام‭ ‬‮١٩٦٥‬‭ ‬كُلّف‭ ‬برئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬استئناف‭ ‬قضايا‭ ‬الهجرة‭ ‬والإقامة‭ ‬للأجانب،‭ ‬ورئيسا‭ ‬للمجلس‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٦٦‬‭ ‬،‭ ‬ورئيساً‭ ‬لمجلس‭ ‬الدولة‭ ‬عام‭ ‬‮١٩٧٠‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬رئيساً‭ ‬لمجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٧١‬‭ ‬وحتى‭ ‬يوم‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬الموافق‭ ‬‮١١‬‭/‬‮١١‬‭/‬‮٢٠٢٠‬‭ . ‬

هذا‭ ‬التدرج‭ ‬لفقيد‭ ‬الوطن‭ ‬الكبير‭ ‬يُبيّن‭ ‬لنا‭ ‬حجم‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التي‭ ‬تقلدها‭ ‬سموّه‭ ‬وحجم‭ ‬العطاء‭ ‬والبناء‭ ‬الذي‭ ‬بذله‭ ‬طيلة‭ ‬سنوات‭ ‬حياته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نماء‭ ‬الوطن‭ ‬وإزدهاره‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مسيرته‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تم‭ ‬تكريمه‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬‮٤٠‬‭ ‬لقباً‭ ‬ووساماً‭ ‬محلياً‭ ‬وإقليمياً‭ ‬ودولياً‭  ‬،‭ ‬أولها‭ ‬وسام‭ ‬الرافدين‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٥٢‬‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬عامه‭ ‬الـ‭ ‬‮١٨‬‭ ‬وآخرها‭ ‬درع‭ ‬التسامح‭ ‬من‭ ‬الإتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للسلام‭ ‬والمحبة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٧‬‭ ‬،‭ ‬مسيرة‭ ‬عطاء‭ ‬مُهيبة‭ ‬،‭ ‬وتاريخ‭ ‬لقامة‭ ‬عظيمة‭ ‬،‭ ‬برحيله‭ ‬نعزي‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬وكل‭ ‬قرية‭ ‬وكل‭ ‬مدينة‭ .. ‬نعزي‭ ‬الوطن‭ ‬بفقيد‭ ‬الوطن‭.‬