الأمير خليفة بن سلمان.. فقيد أدمى قلوب الأمة

| عادل عيسى المرزوق

تعيش‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بقائدها‭ ‬العظيم‭ ‬المُبجَّل‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬وبولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬وبعميد‭ ‬“أسرة‭ ‬الفقيد‭ ‬الغالي”‭ ‬الابن‭ ‬البار‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬وبنجله‭ ‬الوفي‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬وبابنته‭ ‬الكريمة‭ ‬وبأحفاده‭ ‬الكرام‭ ‬وبالأسرة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وبالشعب‭ ‬المخلص‭ ‬الأبِيّ‭ ‬أياما‭ ‬حزينة‭ ‬مؤلمة‭.. ‬فيها‭ ‬تُرفع‭ ‬لمقامهم‭ ‬جميعا‭ ‬حفظهم‭ ‬الله‭ ‬أسمى‭ ‬آيات‭ ‬التعازي‭ ‬والمواساة‭ ‬لرحيل‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الدنيا‭ ‬الذي‭ ‬أحيا‭ ‬الضمير‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحالمة‭.. ‬وأعطى‭ ‬الحياة‭ ‬أملا‭ ‬وإشراقا‭ ‬تستضيء‭ ‬بنوره‭ ‬النفوس‭ ‬المسالمة‭.. ‬وتتزود‭ ‬من‭ ‬فكره‭ ‬وفلسفته‭ ‬وحكمته‭ ‬وحنكته‭ ‬العقول‭ ‬المتعلمة‭..‬

فبكل‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬الكلمات‭ ‬النابضة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬والمتضمنة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحِكَم‭ ‬والمواعظ‭ ‬والأخلاق‭ ‬والدروس،‭ ‬فإن‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭ ‬المليئة‭ ‬بحب‭ ‬الخير‭ ‬والبذل‭ ‬والعطاء‭ ‬هي‭ ‬العنوان‭ ‬والمعنى‭ ‬المراد‭ ‬والسند‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬ولا‭ ‬يزول،‭ ‬وتظل‭ ‬آثاره‭ ‬مطلوبة‭ ‬تهواها‭ ‬النفوس‭.. ‬وكلما‭ ‬بعدت‭ ‬وغربت‭ ‬شمسها‭ ‬تبقى‭ ‬محببة‭ ‬تنشدها‭ ‬العقول،‭ ‬وتلوح‭ ‬تتألم‭ ‬لرحيلها‭ ‬الرؤوس‭.. ‬ومهما‭ ‬صنع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬واشتد‭ ‬قلقه،‭ ‬فإن‭ ‬رجليه‭ ‬مهما‭ ‬تاه‭ ‬ستدلُّهُ‭ ‬إلى‭ ‬ضوء‭ ‬الفانوس‭.. ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬الحكماء‭ ‬والقادة‭ ‬النبلاء‭ ‬“كأمير‭ ‬الضمير‭ ‬سيد‭ ‬العطاء‭ ‬الوفير”‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يؤجج‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬ابتعادهم‭ ‬ونغدو‭ ‬بغيابهم‭ ‬كسارى‭ ‬نصلي‭ ‬من‭ ‬جلوس‭.. ‬فإن‭ ‬سيرتهم‭ ‬تبقينا‭ ‬نتلهف‭ ‬لاكتسابها‭ ‬دوما‭ ‬لتُقوِّي‭ ‬إيماننا‭ ‬وتحصِّننا‭ ‬وتحمينا‭ ‬من‭ ‬الهم‭ ‬والعبوس‭..‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬وجوده‭ ‬الأبوي‭ ‬أعظم‭ ‬هدية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ومسيرة‭ ‬عطائنا‭ ‬ونجاحاتنا‭ ‬المتواصلة،‭ ‬ورحيله‭ ‬قد‭ ‬أحدث‭ ‬فينا‭ ‬انتكاسة‭ ‬مفاجئة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬الدلالات‭ ‬والاعتبارات‭ ‬والتعبيرات‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬وجوهنا‭ ‬طواعية،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬إطارها‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬المشاعر‭ ‬ببراءة‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬فإن‭ ‬تأثيرات‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬أربك‭ ‬الجميع‭ ‬لرحيل‭ ‬الأمير‭ ‬الإنسان‭ ‬العظيم‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى،‭ ‬هي‭ ‬شواهد‭ ‬حية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تحكيه‭ ‬وتحاكيه‭ ‬الأحاسيس‭ ‬النقية‭ ‬التي‭ ‬أبرمتها‭ ‬المشاعر‭ ‬البريئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬لمحبيه‭..‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الخبر‭ ‬المؤلم‭ ‬الحزين‭ ‬والدامي‭ ‬لقلوبنا‭ ‬برحيله‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬مجرد‭ ‬خبر‭ ‬عابر‭ ‬أتى‭ ‬علينا‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انسحبَ‭.. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هبوط‭ ‬الخبر‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬كاتما‭ ‬إياها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬انفعال‭ ‬فيه‭ ‬الدمع‭ ‬قد‭ ‬انسكب‭.. ‬بل‭ ‬أفقدنا‭ ‬رحيله‭ ‬معنى‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نزهو‭ ‬ببقائه‭ ‬بيننا‭ ‬والدا‭ ‬مليئا‭ ‬بحنان‭ ‬الأب‭.. ‬

فسيرته‭ ‬العطرة‭ ‬قد‭ ‬امتلأت‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الخيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسطرها‭ ‬الكلمات‭ ‬لما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬كم‭ ‬كبير‭ ‬ومتنوع‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬والمشاريع‭ ‬التنموية،‭ ‬والتي‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬حياة‭ ‬إنسان‭ ‬ثري‭ ‬بالعطف‭ ‬والرحمة‭ ‬على‭ ‬الضعفاء‭ ‬والمحتاجين،‭ ‬وستبقى‭ ‬تحكي‭ ‬عبر‭ ‬الزمان‭ ‬تاريخه‭ ‬المشرق‭ ‬والمشرف‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬ليرتفع‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬الملكوت‭ ‬الأعلى‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬فلم‭ ‬تهزه‭ ‬متع‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬العادلة‭ ‬لوطنه‭ ‬ولأبناء‭ ‬وطنه‭ ‬على‭ ‬نهج‭ ‬الإسلام‭ ‬وبالعمل‭ ‬الصالح‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭.‬

فمن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬سيرته‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬حياته‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفلسفية،‭ ‬لكي‭ ‬يبدأ‭ ‬يخط‭ ‬قلمه‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬صادقة‭ ‬تعطيه‭ ‬حقه،‭ ‬فإنه‭ ‬سيحتار‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يبدأ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬ستتحول‭ ‬كلماته‭ ‬إلى‭ ‬شعر‭ ‬يشدوا‭ ‬به‭ ‬سماته‭ ‬وفضائله،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬سينتهي‭ ‬به‭ ‬قلمه‭ ‬الذي‭ ‬سيحير‭ ‬ويحوم‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬خُلُقِه‭ ‬وأخلاقه،‭ ‬فلقد‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬يد‭ ‬بيضاء‭ ‬وذا‭ ‬خير‭ ‬دائم‭ ‬معطاء،‭ ‬استثمرها‭ ‬بسخاء‭ ‬واضح‭ ‬مما‭ ‬أتاه‭ ‬الباري‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭ ‬المبسوطة‭ ‬للبسطاء‭.. ‬أرض‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬التي‭ ‬نبع‭ ‬منها‭ ‬الضمير‭ ‬في‭ ‬يومه‭ ‬الكريم‭.. ‬واستفرد‭ ‬ونال‭ ‬مكانة‭ ‬يغبطه‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬محب‭ ‬للعمل‭ ‬الإنساني‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬تنظيم‭..‬