زبدة القول

رحل الأب وخانني الكلام

| د. بثينة خليفة قاسم

نعم‭ ‬أقول‭ ‬رحل‭ ‬الأب،‭ ‬وأنا‭ ‬أقول‭ ‬ما‭ ‬أشعر‭ ‬به‭ ‬وأعتقده،‭ ‬فرحيل‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بمثابة‭ ‬رحيل‭ ‬الأب‭ ‬الحنون‭... ‬12‭ ‬عاما‭ ‬عشتها‭ ‬بمجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬من‭ ‬سموه‭ ‬سوى‭ ‬الأبوة‭ ‬والرعاية،‭ ‬وعذرا‭ ‬سامحوني‭ ‬إذا‭ ‬تحدثت‭ ‬هكذا،‭ ‬فحياة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬وسيرته‭ ‬لا‭ ‬تختزل‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬أبا‭ ‬حنونا‭ ‬يرعى‭ ‬الجميع‭ ‬ويحنو‭ ‬عليهم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬حياة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬موسوعة‭ ‬لا‭ ‬تتسع‭ ‬لها‭ ‬زاويتي‭ ‬الصغيرة‭.‬

حياة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬رحلة‭ ‬ثرية‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬وصفها‭ ‬الكلام،‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬أشعر‭ ‬بالارتباك‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬المفردات‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬حزني‭ ‬وشعوري‭ ‬باليتم،‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الإنساني‭ ‬وعن‭ ‬الأبوة‭ ‬والعطف‭ ‬الذي‭ ‬اتسعت‭ ‬له‭ ‬حياة‭ ‬رجل‭ ‬لديه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاغل‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المسؤوليات‭.‬

هذه‭ ‬الخواطر‭ ‬التي‭ ‬تردني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلقيت‭ ‬النبأ‭ ‬الحزين‭ ‬لن‭ ‬تفي‭ ‬ولن‭ ‬تكفي‭ ‬لوصف‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬لحظات‭ ‬حياة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬الحافلة‭ ‬بالعطاء،‭ ‬فليسامحني‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬عجزي‭ ‬عن‭ ‬استدعاء‭ ‬اللغة‭ ‬واختيار‭ ‬المفردات‭... ‬وماذا‭ ‬بوسعي‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬أعطى‭ ‬حياته‭ ‬كلها‭ ‬للبحرين؟‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬لم‭ ‬تمنعه‭ ‬مهماته‭ ‬اليومية‭ ‬الشاقة‭ ‬عن‭ ‬المسح‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬اليتامى‭ ‬والعطف‭ ‬على‭ ‬الفقراء؟‭ ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬يرتبط‭ ‬تاريخه‭ ‬بكل‭ ‬بناء‭ ‬وكل‭ ‬شارع‭ ‬وكل‭ ‬مشروع‭ ‬وكل‭ ‬مدرسة‭ ‬وكل‭ ‬مستشفى‭ ‬وكل‭ ‬أشكال‭ ‬الإعمار‭ ‬والنهضة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البحرين‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬الحافلة‭ ‬بالعطاء‭. ‬

ماذا‭ ‬أقول‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬سيشهد‭ ‬له‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬ونجاة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المكائد‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬بقاءها‭ ‬ووحدتها‭ ‬وأرادت‭ ‬أن‭ ‬تمحوها‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الخريطة؟‭ ‬إنه‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬سيسجل‭ ‬التاريخ‭ ‬سيرته‭ ‬بأحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬وسيذكره‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬وسيذكره‭ ‬كل‭ ‬المخلصين‭ ‬وكل‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوس‭ ‬العادلة‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬أو‭ ‬سمعوا‭ ‬عن‭ ‬عطاءاته‭ ‬الكثيرة‭.‬

إنه‭ ‬أبي‭ ‬وأب‭ ‬كل‭ ‬البسطاء‭ ‬وكل‭ ‬أصحاب‭ ‬الحاجات،‭ ‬فسموه‭ ‬لم‭ ‬يغلق‭ ‬بابه‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أحد،‭ ‬إنه‭ ‬الرجل‭ ‬البسيط‭ ‬الوقور‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬ببساطته‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أتى‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬ورآه‭ ‬يرتاد‭ ‬المجالس‭ ‬بتواضع‭ ‬واحترام‭ ‬وبدون‭ ‬حراسة‭ ‬شخصية،‭ ‬إنه‭ ‬العلامة‭ ‬المضيئة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬الحديث‭.. ‬إنه‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يوفيه‭ ‬الكلام‭ ‬ولا‭ ‬تتسع‭ ‬لها‭ ‬زاويتي‭ ‬الفقيرة،‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مساحة‭ ‬زاويتي‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬فدموعي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تلقيت‭ ‬الخبر‭ ‬الحزين‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬نقول‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يرضي‭ ‬ربنا،‭ ‬فبكل‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى‭ ‬وبقلوب‭ ‬مؤمنة‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬نودع‭ ‬رجلا‭ ‬ليس‭ ‬ككل‭ ‬الرجال،‭ ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬