سوالف

حزني على فقدكم يا والدي لا يوقفه حاجز

| أسامة الماجد

أعطيتنا‭ ‬أزهارا‭ ‬خالدة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الذبول‭ ‬ولا‭ ‬يقترب‭ ‬منها‭ ‬الموت،‭ ‬كنت‭ ‬الشموع‭ ‬التي‭ ‬تنير‭ ‬للمواطنين‭ ‬طريقهم،‭ ‬مسحت‭ ‬دموعهم‭ ‬وعانقتهم،‭ ‬كنت‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لحياة‭ ‬كل‭ ‬بحريني‭.‬

فجعني‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭ ‬ويا‭ ‬والد‭ ‬البحرين‭ ‬ونورها‭ ‬خبر‭ ‬رحيلكم‭ ‬عنا،‭ ‬ذهبت‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬آخر،‭ ‬عالم‭ ‬بعيد‭ ‬جدا‭ ‬وليس‭ ‬لدي‭ ‬ما‭ ‬يقيس‭ ‬الزمن‭... ‬شعرت‭ ‬أنني‭ ‬أركض‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الحزن‭ ‬دهرا‭ ‬بلا‭ ‬نهاية،‭ ‬وشعرت‭ ‬بطعم‭ ‬الحزن‭ ‬المر‭ ‬في‭ ‬فمي‭ ‬وانحنيت‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬ابني‭ ‬“محمد”‭ ‬وبكيت‭ ‬وانتحبت‭ ‬بحرقة،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬من‭ ‬الأهل‭ ‬يلتهب‭ ‬وتنمو‭ ‬أغصان‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬أعماقهم،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬ساكنا‭ ‬وأرضنا‭ ‬جفت‭ ‬وكان‭ ‬الصوت‭ ‬الوحيد‭ ‬صادرا‭ ‬عن‭ ‬ارتطام‭ ‬قلوبنا‭ ‬بالخبر‭ ‬المفجع‭ ‬وعمق‭ ‬الجرح‭.‬

حزني‭ ‬على‭ ‬فقدكم‭ ‬يا‭ ‬والدي‭ ‬لا‭ ‬يوقفه‭ ‬حاجز،‭ ‬تيار‭ ‬عنيف‭ ‬من‭ ‬الكآبة‭ ‬يلتف‭ ‬حولي‭ ‬وأمطار‭ ‬موحشة‭ ‬ترشني‭ ‬بسياط‭ ‬العذاب،‭ ‬أصبحت‭ ‬مثل‭ ‬الزهرة‭ ‬الملتوية،‭ ‬سهلة‭ ‬الدوس‭ ‬بالأقدام،‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬بدونك‭ ‬“يا‭ ‬بوعلي”،‭ ‬برحيلك‭ ‬مات‭ ‬منطق‭ ‬حياتنا‭ ‬ومناظر‭ ‬الربيع‭ ‬اختفت‭ ‬وانطفأ‭ ‬الضوء،‭ ‬لقد‭ ‬ذابت‭ ‬قلوبنا‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والفجيعة‭ ‬مثلما‭ ‬تذوب‭ ‬شمس‭ ‬المساء،‭ ‬من‭ ‬سيمسح‭ ‬عنا‭ ‬اغتراب‭ ‬الحياة‭ ‬وأنات‭ ‬المتعبين،‭ ‬من‭ ‬سينشر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬السعادة‭ ‬والأمل‭.. ‬هجرتني‭ ‬لغة‭ ‬الإنسان‭ ‬وانسكبت‭ ‬روحي‭ ‬على‭ ‬الجرح،‭ ‬فنحن‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬غير‭ ‬الوالد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ولم‭ ‬تخضر‭ ‬قلوبنا‭ ‬إلا‭ ‬بيد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ولم‭ ‬تسق‭ ‬جذور‭ ‬نخيلنا‭ ‬إلا‭ ‬بيد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬ولا‭ ‬مياه‭ ‬الأفراح‭ ‬سالت‭ ‬على‭ ‬عتبات‭ ‬دارنا‭ ‬إلا‭ ‬بفضل‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭.‬

 

تسرح‭ ‬عيناي‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬وفي‭ ‬أذني‭ ‬صدى‭ ‬يتردد‭ ‬“شلونك‭ ‬يا‭ ‬ولد‭ ‬الماجد‭.. ‬واشلون‭ ‬لعيال”،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬يقولها‭ ‬لي‭ ‬سموه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كلما‭ ‬تشرفت‭ ‬بزيارته‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬ولا‭ ‬يتركنا‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬بأن‭ ‬السعادة‭ ‬وراحة‭ ‬البال‭ ‬تحيط‭ ‬بنا‭ ‬كأسرة،‭ ‬فلولا‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬أسامة‭ ‬الماجد،‭ ‬فقد‭ ‬منحتني‭ ‬وعائلتي‭ ‬بهجة‭ ‬الزهور‭ ‬والربيع‭ ‬المقمر‭ ‬الوضاء،‭ ‬لكن‭ ‬رحيلك‭ ‬عنا‭ ‬يا‭ ‬أروع‭ ‬الآباء‭ ‬والقادة‭ ‬فجر‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬وقلوبنا‭ ‬الضعيفة‭ ‬إعصارا‭ ‬هائلا‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬ونيران‭ ‬الحرقة‭ ‬تمزق‭ ‬سماءنا‭.. ‬لقد‭ ‬انقلب‭ ‬العالم‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬ولا‭ ‬حياة‭ ‬ولا‭ ‬سعادة‭ ‬من‭ ‬بعدكم‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭.‬