وترجل الفارس

| عبدالنبي الشعلة

انتقل،‭ ‬يومَ‭ ‬أمس،‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه،‭ ‬مستجيبًا‭ ‬لدعوته،‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭.‬

وبرحيل‭ ‬هذه‭ ‬القامة‭ ‬الشامخة‭ ‬فقدت‭ ‬الأسرة‭ ‬الملكية‭ ‬الكريمة،‭ ‬وشعب‭ ‬البحرين‭ ‬الوفي،‭ ‬والأمتان‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬ركنًا‭ ‬من‭ ‬أصلب‭ ‬أركانها،‭ ‬ورمزًا‭ ‬من‭ ‬ألمع‭ ‬رموزها،‭ ‬وعلمًا‭ ‬من‭ ‬أرفع‭ ‬أعلامها،‭ ‬وفارسًا‭ ‬من‭ ‬أشجع‭ ‬فرسانها،‭ ‬ومحاربًا‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬في‭ ‬الله‭ ‬لومة‭ ‬لائم؛‭ ‬فقد‭ ‬فارق‭ ‬الدنيا‭ ‬وقلبه‭ ‬ينبض‭ ‬وينضح‭ ‬بالإيمان‭ ‬بربه‭ ‬وبالولاء‭ ‬والحب‭ ‬والإخلاص‭ ‬لمليكه‭ ‬وشعبه‭ ‬ووطنه‭ ‬وأمتيه‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬حياته‭.‬

كان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الأب‭ ‬الحنون‭ ‬الراعي‭ ‬لأهله‭ ‬وأسرته،‭ ‬والرجل‭ ‬الشهم‭ ‬الغيور‭ ‬الصادق‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬والثابت‭ ‬على‭ ‬قيمه‭ ‬ومبادئه‭. ‬فكان‭ ‬طيلة‭ ‬حياته،‭ ‬في‭ ‬ليله‭ ‬ونهاره‭ ‬في‭ ‬صحته‭ ‬ومرضه‭ ‬في‭ ‬حله‭ ‬وترحاله،‭ ‬مسكونًا‭ ‬ومهمومًا‭ ‬ببناء‭ ‬الإنسان‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬اليأس‭ ‬ولا‭ ‬يكترث‭ ‬بالتعب‭ ‬أو‭ ‬الإرهاق‭ ‬ولا‭ ‬تغمض‭ ‬له‭ ‬عين‭ ‬أو‭ ‬يهدأ‭ ‬له‭ ‬بال‭ ‬حتى‭ ‬يطمئن‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬السياسي‭ ‬البارع‭ ‬المحنك،‭ ‬الذي‭ ‬تميَّز‭ ‬بالحكمة‭ ‬السديدة‭ ‬والبصيرة‭ ‬النافذة،‭ ‬والقُدرة‭ ‬على‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل،‭ ‬ما‭ ‬مكنه‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬عروبة‭ ‬الوطن‭ ‬وهويته‭ ‬واستقلاله‭ ‬وحماية‭ ‬كل‭ ‬ذرة‭ ‬من‭ ‬ترابه‭. ‬وقد‭ ‬واجه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬الصعاب‭ ‬والتحديات‭ ‬بروية‭ ‬وبسالة‭ ‬وصبر،‭ ‬وتصدى‭ ‬للأخطار‭ ‬والتهديدات‭ ‬بعزيمة‭ ‬لا‭ ‬تلين‭ ‬وثبات‭ ‬وإصرار‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬قائدًا‭ ‬بصيرًا‭ ‬حكيمًا‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬وأقواله،‭ ‬تتربع‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬همومه‭ ‬واهتماماته‭ ‬قضايا‭ ‬التآخي‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬شعبه‭ ‬وأمته،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬صون‭ ‬الوحدة‭ ‬واللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬ملتزمًا‭ ‬بقيم‭ ‬الوسطية‭ ‬والاعتدال‭ ‬والمحبة‭ ‬والتسامح‭.‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المشيدين‭ ‬لمداميك‭ ‬التقدم‭ ‬والبناء،‭ ‬ودائم‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬قمرة‭ ‬القيادة‭ ‬مع‭ ‬المليك‭ ‬المفدى‭ ‬ووراء‭ ‬دفة‭ ‬سفينة‭ ‬الوطن‭ ‬وهي‭ ‬تبحر‭ ‬بمهارة‭ ‬واقتدار‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الأمواج‭ ‬العاتية‭ ‬لتصل‭ ‬بسلام‭ ‬إلى‭ ‬تخوم‭ ‬الأمان‭ ‬والاستقرار‭.‬

ثمة‭ ‬رجال‭ ‬لا‭ ‬يموتون‭ ‬ولا‭ ‬يغادرون،‭ ‬يظلون‭ ‬راسخين‭ ‬في‭ ‬مواقعهم‭ ‬الرفيعة،‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬ولا‭ ‬تنمحي‭ ‬ذكراهم،‭ ‬وتبقى‭ ‬إنجازاتهم‭ ‬وشمائلهم‭ ‬وخصالهم‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬شعوبهم،‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرجال،‭ ‬فسيبقى‭ ‬اسمه‭ ‬وذكره‭ ‬خالدين‭ ‬محفورين‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬شعبه‭ ‬وتاريخ‭ ‬وطنه‭ ‬وأمته،‭ ‬وقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬بالأمس‭ ‬روحه‭ ‬الطاهرة‭ ‬إلى‭ ‬بارئها‭ ‬راضية‭ ‬مرضية،‭ ‬وهو‭ ‬قرير‭ ‬العين‭ ‬مطمئن‭ ‬النفس‭ ‬مستقر‭ ‬الضمير،‭ ‬وستبقى‭ ‬راية‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬ذكراه‭ ‬عالية‭ ‬خفاقة‭ ‬ترفعها‭ ‬سواعد‭ ‬مليكها‭ ‬المفدى‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬حفظهما‭ ‬الله‭ ‬ورعاهما،‭ ‬محفوفين‭ ‬بحب‭ ‬وولاء‭ ‬شعبهما‭ ‬المخلص‭ ‬الوفي‭.‬

تغمد‭ ‬الله‭ ‬الفقيد‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬ورضوانه‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭ ‬وألهمنا‭ ‬جميعًا‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‭.‬