الأقربونَ أولى بتثبيطِ العزائم

| هدى حرم

قد‭ ‬تكون‭ ‬مبدعاً‭ ‬ومميزاً‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬لكنَّ‭ ‬إبداعكَ‭ ‬هذا‭ ‬يموتُ‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬لأن‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬أسرتك‭ ‬لمْ‭ ‬يُعرْ‭ ‬تميزَك‭ ‬اهتماما،‭ ‬أو‭ ‬أنَّ‭ ‬مدرستك‭ ‬لم‭ ‬ترصد‭ ‬موهبتكَ‭ ‬مبكراً،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬اكتشافها‭ ‬أساساً،‭ ‬وحيُّكَ‭ ‬الذي‭ ‬تحيا‭ ‬فيه‭ ‬لم‭ ‬يفطنْ‭ ‬لكونك‭ ‬فناناً‭ ‬مبدعاً‭ ‬أو‭ ‬عالماً‭ ‬فذّاً‭ ‬أو‭ ‬كاتباً‭ ‬ثريَ‭ ‬الموهبة،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يعقبُ‭ ‬ذلك‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬العزائم‭ ‬واضمحلال‭ ‬في‭ ‬الموهبة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬الأجدى‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬تُصقلَ‭ ‬وتنمو‭ ‬وتزدهر،‭ ‬ويحدثُ‭ ‬أنْ‭ ‬يملك‭ ‬المرءُ‭ ‬صوتاً‭ ‬جميلاً‭ ‬حقاً‭ ‬حسب‭ ‬المعايير‭ ‬والمقاييس،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الآخرين‭ ‬يمتدحون‭ ‬أداءه‭ ‬ويُعربون‭ ‬عن‭ ‬إعجابهم‭ ‬الشديد‭ ‬بتميزه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُصبحُ‭ ‬مادةً‭ ‬للسخرية‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬الذين‭ ‬يضحكونَ‭ ‬من‭ ‬أدائه‭ ‬ولا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بموهبته،‭ ‬وهكذا‭ ‬نرى‭ ‬أنَّ‭ ‬الأقربينَ‭ ‬هم‭ ‬أكثرُ‭ ‬الناسِ‭ ‬تثبيطاً‭ ‬لعزائمنا‭ ‬واستخفافاً‭ ‬بمهاراتنا‭ ‬ونقاطِ‭ ‬تميزنا،‭ ‬وذلك‭ ‬نقيضُ‭ ‬الواجب‭.‬

ولنخرجْ‭ ‬معاً‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الأسرةِ‭ ‬لفضاء‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬نحيا‭ ‬فيه‭ ‬ونتعاملُ‭ ‬معه،‭ ‬لنواجِهَ‭ ‬رفضاً‭ ‬شرساً‭ ‬لمواهبنا‭ ‬وملَكاتنا،‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬قاسيا‭ ‬وعنيفا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مستترٌ‭ ‬يجاهدُ‭ ‬أفرادُ‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬إخفائه؛‭ ‬بيدَ‭ ‬أننا‭ ‬نلمسهُ‭ ‬بوضوح‭ ‬وعبرَ‭ ‬مؤشراتٍ‭ ‬عديدة‭. ‬إنْ‭ ‬كنتَ‭ ‬أديباً‭ ‬لامعاً‭ ‬مشهوراً،‭ ‬فأنتَ‭ ‬لامعٌ‭ ‬ومشهورٌ‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعكَ‭ ‬لا‭ ‬يقرأُ‭ ‬لك‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬يُعلقُ‭ ‬إيجاباً‭ ‬على‭ ‬إبداعكَ‭ ‬أحد،‭ ‬وإنْ‭ ‬وجدتَ‭ ‬في‭ ‬نفسكَ‭ ‬الأهلية‭ ‬للترشح‭ ‬لمنصبٍ‭ ‬نيابي،‭ ‬فلن‭ ‬يدعمكَ‭ ‬في‭ ‬حملتكَ‭ ‬أو‭ ‬ينتخبك‭ ‬بنو‭ ‬حيكَ‭ ‬أو‭ ‬مجتمعك‭ ‬إلا‭ ‬القلة،‭ ‬فلِمَ‭ ‬تُراهم‭ ‬ينتهجون‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬مع‭ ‬المبدعين‭ ‬المتميزين‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬جِلدتهم؟‭!‬

أسبابٌ‭ ‬عدة‭ ‬تقفُ‭ ‬خلفَ‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المستخف‭ ‬بالمتميز‭ ‬الذي‭ ‬يحيا‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الجوار،‭ ‬كالحسد‭ ‬والحقد؛‭ ‬إذ‭ ‬يصعبُ‭ ‬على‭ ‬البعض‭ ‬تقبل‭ ‬أنْ‭ ‬يتفوقَ‭ ‬عليهم‭ ‬أحد،‭ ‬وكأن‭ ‬من‭ ‬خلقهم‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬سواهم،‭ ‬خصوصا‭ ‬إنْ‭ ‬ظنوا‭ ‬أنهم‭ ‬يتميزون‭ ‬هم‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬ذاته‭.. ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬قتلةُ‭ ‬الطموح‭ ‬ووائدو‭ ‬الهمم‭ ‬الذين‭ ‬يعرقلون‭ ‬تقدم‭ ‬الناجحين‭ ‬ويسممون‭ ‬الأجواءَ‭ ‬بانتقادهم،‭ ‬ويتبرعون‭ ‬لصرف‭ ‬الناس‭ ‬عنهم‭ ‬وعن‭ ‬دعمهم‭ ‬وتشجيع‭ ‬مشاريعهم‭ ‬وبديع‭ ‬نتاجهم،‭ ‬إن‭ ‬اعترافهم‭ ‬بتميز‭ ‬هؤلاء‭ ‬المبدعين‭ ‬حسب‭ ‬رأيهم،‭ ‬يحطُّ‭ ‬من‭ ‬قدرهم‭ ‬ويشعرهم‭ ‬بالدنّو‭ ‬وقلةِ‭ ‬الحيلة‭ ‬في‭ ‬قبالةِ‭ ‬القوة‭ ‬والتميز‭ ‬لدى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬هؤلاء‭ ‬يستقصون‭ ‬أخطاءَ‭ ‬أولئك،‭ ‬لعلهم‭ ‬يجدونَ‭ ‬في‭ ‬أفعالهم‭ ‬أو‭ ‬أشكالهم‭ ‬ثغرةً‭ ‬يعيبونهم‭ ‬عليها‭ ‬وينتقصون‭ ‬من‭ ‬مكانتهم‭ ‬باكتشافها،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يعتنوا‭ ‬بتشجيع‭ ‬ومساندة‭ ‬أفراد‭ ‬مجتمعهم‭ ‬من‭ ‬المتميزين‭ ‬وبموضوع‭ ‬تميزهم‭ ‬وماهيته‭ ‬فيفيدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬والآخرين،‭ ‬فليتوقفْ‭ ‬المجتمع‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬الندِ‭ ‬تجاهَ‭ ‬أبنائه‭ ‬وليحتضن‭ ‬المواهب‭ ‬المختلفة‭ ‬وينميها،‭ ‬وليشعر‭ ‬بالفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬بنجاح‭ ‬أفراده،‭ ‬لأنَّ‭ ‬نجاحَ‭ ‬الفردِ‭ ‬نجاحٌ‭ ‬لكل‭ ‬المجتمع‭.‬