سوالف

التفاخر بطباعة النتاج الفكري باللغة الإنجليزية

| أسامة الماجد

رغم‭ ‬دراسة‭ ‬ابنتي‭ ‬فجر‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وآدابها‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬مطالعة‭ ‬كنوز‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬اهتمامها‭ ‬الشديد‭ ‬بالروايات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬الأدبية،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬يعتزون‭ ‬بلغتهم‭ ‬العربية‭ ‬ويتفاخرون‭ ‬بها‭ ‬لأنها‭ ‬عماد‭ ‬هويتنا،‭ ‬لكنني‭ ‬لاحظت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المواهب‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬العلم‭ ‬المختلفة‭ ‬يتفاخرون‭ ‬بطباعة‭ ‬نتاجهم‭ ‬الفكري‭ ‬والأدبي‭ ‬“قصة،‭ ‬رواية،‭ ‬شعر،‭ ‬وغيرها”‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬والأدهى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬بعادات‭ ‬وتصرفات‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬لمجتمعنا‭ ‬بصلة‭ ‬متجاهلين‭ ‬واجب‭ ‬الكاتب‭ ‬الأصيل‭.‬

نعم‭.. ‬كان‭ ‬لآبائنا‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬العلوم،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬يرجع‭ ‬فضل‭ ‬إنقاذ‭ ‬علوم‭ ‬الطبيعة‭ ‬عندما‭ ‬كانوا‭ ‬حماة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬جهل‭ ‬أهل‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬ومن‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الغرب‭ ‬ينكر‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬العلم‭ ‬المختلفة‭ ‬جولات‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬وأبي‭ ‬بكر‭ ‬الرازي‭ ‬والخوارزمي‭ ‬وابن‭ ‬الهيثم،‭ ‬وغير‭ ‬هؤلاء‭ ‬ممن‭ ‬شغلوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالعلم‭ ‬وأحرزوا‭ ‬فيه‭ ‬تقدما‭ ‬ملحوظا،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬الغربيون‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬الضخم‭ ‬وأضافوا‭ ‬إليه‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬مبلغه‭ ‬اليوم،‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬تراث‭ ‬إنساني‭ ‬لا‭ ‬وطن‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬لون،‭ ‬لنا‭ ‬فيه‭ ‬نصيب‭ ‬ولغيرنا‭ ‬فيه‭ ‬نصيب،‭ ‬نأخذ‭ ‬فيه‭ ‬ونعطي‭ ‬في‭ ‬تواضع‭ ‬العلماء‭ ‬وشمم‭ ‬الأقوياء‭.‬

أما‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬وما‭ ‬يتدرج‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬خلقي‭ ‬فلنا‭ ‬فيها‭ ‬طريقتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تميزنا‭ ‬عن‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب،‭ ‬لا‭ ‬نأخذها‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬جنوب،‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬كقوانين‭ ‬العلم،‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية‭ ‬عامة‭ ‬كالمعرفة،‭ ‬لكنها‭ ‬محلية‭ ‬خالصة‭ ‬تختلف‭ ‬فيها‭ ‬الشعوب،‭ ‬فلكل‭ ‬شعب‭ ‬طريقة‭ ‬خاصة‭ ‬نشأت‭ ‬معه‭ ‬وتطورت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العملية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬اجتازتها،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬نتمسك‭ ‬بنظمنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬وعقائدنا‭ ‬ولغتنا‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تناسب‭ ‬طبائعنا‭ ‬وبيئتنا‭ ‬وأحوالنا،‭ ‬ولأنها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬أيدينا‭ ‬ولأنها‭ ‬تميزنا‭ ‬عن‭ ‬غيرنا‭ ‬لا‭ ‬يشاركنا‭ ‬فيها‭ ‬أحد،‭ ‬ولأننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتقمص‭ ‬طريقة‭ ‬حياة‭ ‬أجنبية‭ ‬عنا‭.‬

إن‭ ‬النظر‭ ‬الفلسفي‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬يتخذ‭ ‬الموهوب‭ ‬بداية‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬ويبدأ‭ ‬منها،‭ ‬وهي‭ ‬لغته‭ ‬الأم‭ ‬لا‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭.‬