مُلتقطات

بعد 30 قضية... وتبقى “مُعلّقة”!

| د. جاسم المحاري

تبدو‭ ‬قضيّة‭ ‬الزوجة‭ ‬المعلّقة،‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الاجتماعيّة‭ - ‬الشائكة‭ ‬والحسّاسة‭ ‬والخطيرة‭ ‬في‭ ‬آنٍ‭ - ‬في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬شرَعَتْ‭ ‬في‭ ‬استنزاف‭ ‬المرأة‭ ‬الأمّ‭ ‬والزوجة‭ ‬في‭ ‬مكنون‭ ‬فكرها‭ ‬ومخبوء‭ ‬عاطفتها،‭ ‬بل‭ ‬وابتزازها‭ ‬في‭ ‬تسقِيط‭ ‬موقعها‭ ‬الشخصي‭ ‬وتشويه‭ ‬مكانتها‭ ‬المجتمعية،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تكاتفت‭ ‬جهود‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬درجاتها‭ ‬وتنوع‭ ‬نشاطاتها‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬حقوقها‭ ‬المُحقّة‭ ‬وتدرأ‭ ‬عنها‭ ‬رغبات‭ ‬الانتقام‭ ‬الجامحة‭ ‬وسلب‭ ‬حقوقها‭ ‬المكتسبة‭ ‬دون‭ ‬إجبارٍ‭ ‬في‭ ‬تنازلٍ‭ ‬مادي‭ ‬أو‭ ‬مالي‭ ‬منها،‭ ‬ونأيّاً‭ ‬عن‭ ‬إلحاق‭ ‬أيّ‭ ‬أذى‭ ‬نّفسي‭ ‬أو‭ ‬معنوي‭ ‬بها،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تتفاقم‭ ‬فيه‭ ‬معاناتها‭ ‬بكل‭ ‬صورها‭ ‬النمطية‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تُحاربها‭ ‬بوصمات‭ ‬مجتمعها‭ ‬المسبقة‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬استمرارها‭ ‬بملامح‭ ‬حياة‭ ‬طبيعيّة‭ ‬أمام‭ ‬مُعيقات‭ ‬الخذلان‭ ‬والانكسار،‭ ‬وهواجس‭ ‬الفشل‭ ‬والإخفاق‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تأسيس‭ ‬حياة‭ ‬اجتماعيّة‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬ارتباط‭ ‬مقدّس‭ ‬يتّسم‭ ‬بالديمومة‭ ‬والاستمرار‭. ‬

ما‭ ‬تتجرّعه‭ ‬المواطنة‭ ‬–‭ ‬التي‭ ‬تواصلت‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬–‭ ‬بصورة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬شبه‭ ‬يومية‭ ‬من‭ ‬كأس‭ ‬الامتهان‭ ‬للحقوق‭ ‬والحطّ‭ ‬من‭ ‬الكرامة‭ ‬بصنوف‭ ‬الحرمان‭ ‬والأذى‭ ‬النّفسيّ‭ ‬والجسدي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬بلغت‭ ‬سُبُل‭ ‬التلاقي‭ ‬نهايتها‭ ‬في‭ ‬استحكام‭ ‬الخلاف‭ ‬وتعمّق‭ ‬الشّقاق‭ ‬وزيادة‭ ‬النفور‭ ‬واستحالة‭ ‬العشرة‭ ‬مع‭ ‬رفيق‭ ‬دربها‭ ‬الذي‭ ‬شاركته‭ ‬إتمام‭ ‬الزواج‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬بمكاسب‭ ‬الجسد‭ ‬والمال‭ ‬والقرار‭ ‬والحياة‭ ‬حتى‭ ‬مَحينْ‭ ‬مشاركته‭ ‬خسائر‭ ‬الانفصال؛‭ ‬فإنّ‭ ‬ذلك‭ ‬يُحتّم‭ ‬عليها‭ ‬دفع‭ ‬ثمن‭ ‬حريتها‭ ‬واستلام‭ ‬صكّ‭ ‬عتقها‭ ‬منه‭ ‬عاجلاً‭ ‬أو‭ ‬آجلاً،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬صيّرها‭ (‬لا‭ ‬بِزوجة‭ ‬ولا‭ ‬بُمطلقة‭)‬،‭ ‬وتركها‭ ‬“رَوْحَةً”‭ ‬للمحاكم‭ ‬و”جَيْئَةً”‭ ‬لمراكز‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬أشواط‭ ‬سباق‭ ‬تعدّت‭ ‬أرقامها‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬قضية‭ ‬طوال‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭! ‬قد‭ ‬حَفِلَ‭ ‬مدادُ‭ ‬أوراقها‭ ‬بمفردات‭ ‬الضرب‭ ‬والشتم‭ ‬والسبّ‭ ‬والقذف‭ ‬والتشهير‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬فيما‭ ‬التنكيل‭ ‬بأطفالها‭ ‬وسوء‭ ‬معاملتهم‭ ‬نكاية‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬مستلطفاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإطالة‭ ‬قبل‭ ‬إصدار‭ ‬الأحكام،‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬ببالغ‭ ‬الحزن‭ ‬معاناة‭ ‬“تعليق”‭ ‬المرأة‭ ‬واستمرار‭ ‬عذاباتها‭ ‬في‭ ‬تقويم‭ ‬سنوي‭ ‬مفتوح‭.‬

نافلة‭:‬

يستبعد‭ ‬المختّصون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬عدّ‭ ‬“التعليق”‭ ‬حالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تُحرم‭ ‬المرأة‭ ‬فيه‭ ‬شرعةً‭ ‬أو‭ ‬قانوناً‭ ‬من‭ ‬حقوقها،‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬حالة‭ ‬طلاق‭ ‬نهائي‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬زواج‭ ‬مستقر‭! ‬بل‭ ‬تترسّخ‭ ‬حالة‭ ‬الإيذاء‭ ‬النفسي‭ ‬والإضرار‭ ‬الوجداني‭ ‬داخل‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬يُستغل‭ ‬حقّها‭ ‬وتُهدر‭ ‬كرامتها‭ ‬وتُهدم‭ ‬إنسانيتها‭ ‬التي‭ ‬تؤول‭ ‬بنهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لوضع‭ ‬دونّي‭ ‬بائس‭ ‬يُنذر‭ ‬بزوال‭ ‬محيطها‭ ‬المجتمعي‭ ‬مجتمعاً‭.‬