زبدة القول

أردوغان ونظرية جديدة

| د. بثينة خليفة قاسم

الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬أطلق‭ ‬تصريحا‭ ‬جديدا‭ ‬وغريبا‭ ‬بالأيام‭ ‬الماضية‭ ‬يبين‭ ‬أنه‭ ‬يمر‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬نتيجة‭ ‬فشل‭ ‬مخططاته‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬وتعرض‭ ‬مشروعه‭ ‬التوسعي‭ ‬لضربات‭ ‬متتالية‭ ‬والعزلة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬تركيا‭ ‬بسبب‭ ‬كثرة‭ ‬العداءات‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬سياساتها‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬وأذربيجان‭ ‬وشرق‭ ‬المتوسط‭ ‬وأطماع‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬غاز‭ ‬المتوسط‭.‬

الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬قال‭ ‬بالحرف‭ ‬الواحد‭ ‬“كل‭ ‬أرض‭ ‬عليها‭ ‬جنودنا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أرضنا”،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬صراحة‭ ‬عن‭ ‬أطماعه‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬وغيرهما،‭ ‬ولا‭ ‬مانع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأرض‭ ‬القطرية‭ ‬أيضا‭ ‬أرضا‭ ‬تركية،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬السند‭ ‬الوحيد‭ ‬لملكية‭ ‬الأراضي‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬أتراك‭ ‬عليها،‭ ‬فتركيا‭ ‬لها‭ ‬جنود‭ ‬كثر‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬القطرية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬أردوغان‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬قد‭ ‬صرح‭ ‬علنا‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬ميراث‭ ‬أجداده‭. ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬يبين‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬وصل‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬بالاستهانة‭ ‬بالدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬وأصبحت‭ ‬مفتوحة‭ ‬أمام‭ ‬المليشيات‭ ‬والمرتزقة‭ ‬الذين‭ ‬يجلبهم‭ ‬أردوغان‭ ‬لكي‭ ‬يتولوا‭ ‬إكمال‭ ‬تخريبها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬محروقة‭ ‬وجاهزة‭ ‬للالتهام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أردوغان،‭ ‬ومن‭ ‬سخرية‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬هؤلاء‭ ‬المرتزقة‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬ذات‭ ‬التاريخ‭ ‬العروبي‭.‬

والذي‭ ‬يتابع‭ ‬سير‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬تحديدا‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬أردوغان‭ ‬حريص‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬الصراع‭ ‬هناك‭ ‬دون‭ ‬حل،‭ ‬وكلما‭ ‬عقدت‭ ‬جولة‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬يقوم‭ ‬بوضع‭ ‬العصي‭ ‬في‭ ‬دولاب‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استدعاء‭ ‬الموالين‭ ‬له‭ ‬لكي‭ ‬يقوموا‭ ‬بوضع‭ ‬العقبات‭ ‬ورفض‭ ‬أية‭ ‬صيغة‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها،‭ ‬مفضلين‭ ‬أن‭ ‬يبقوا‭ ‬في‭ ‬مناصبهم‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬وحدة‭ ‬تراب‭ ‬بلادهم،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الصراع‭ ‬هناك‭ ‬معناه‭ ‬أن‭ ‬ليبيا‭ ‬ستكون‭ ‬لليبيين‭ ‬فقط‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للغريب،‭ ‬وأن‭ ‬المليشيات‭ ‬ستعود‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتت‭ ‬وينتهي‭ ‬الحلم‭ ‬الأردوغاني‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬ميراث‭ ‬الأجداد‭.‬

لو‭ ‬كانت‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬ربيعها‭ ‬أو‭ ‬خرابها‭ ‬العربي‭ ‬ستكون‭ ‬هكذا‭ ‬من‭ ‬تمزق‭ ‬وانهيار‭ ‬للجيوش‭ ‬وتفتيت‭ ‬للأراضي‭ ‬ودول‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬للطامعين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ترك‭ ‬وفرس‭ ‬لحمدت‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬ينفع‭ ‬الندم،‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التصدي‭ ‬لأطماع‭ ‬أردوغان‭ ‬وإيران‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أعلت‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬والانتماءات‭.‬