ريشة في الهواء

لغة الضاد تفتقد التفاهم مع الآخر!

| أحمد جمعة

كلما‭ ‬علا‭ ‬صوتك‭... ‬كلما‭ ‬فقدت‭ ‬احترامك،‭ ‬فعقول‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬تدرك‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬صراخ‭ ‬أو‭ ‬ضوضاء،‭ ‬فهناك‭ ‬عقول‭ ‬تسير‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تعم‭ ‬الأرض‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬ويتأمل‭ ‬ويقرر‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬معك‭ ‬أو‭ ‬ضدك،‭ ‬وبغالب‭ ‬الأحيان‭ ‬وخلال‭ ‬التجارب‭ ‬والنتائج‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬بالعصر‭ ‬الحديث‭ ‬ثبت‭ ‬أن‭ ‬الضجيج‭ ‬والصراخ‭ ‬والتهديد‭ ‬والمقاطعة‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬انتصار‭ ‬بأي‭ ‬مجال‭ ‬أو‭ ‬قطاع‭ ‬أو‭ ‬كيان،‭ ‬فعلى‭ ‬صعيد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خسرت‭ ‬القضية‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حيز‭ ‬ودعم‭ ‬وأرض‭ ‬واعتراف‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬تفقد‭ ‬اسمها‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬خسرنا‭ ‬تقريبًا‭ ‬كل‭ ‬قضايانا‭ ‬التي‭ ‬دافعنا‭ ‬عنها‭ ‬بصوتٍ‭ ‬عال‭ ‬ولم‭ ‬نكسب‭ ‬إلا‭ ‬بالعقل‭ ‬والحكمة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬الهادئة،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬الكاسبين‭ ‬بهذا‭ ‬الطريق‭ ‬الرئيس‭ ‬الشجاع‭ ‬الراحل‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬فحين‭ ‬عاكسه‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬مثل‭ ‬حافظ‭ ‬الأسد‭ ‬خسرت‭ ‬سوريا‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬الخريطة،‭ ‬وحين‭ ‬سار‭ ‬معه‭ ‬الأردن‭ ‬كسب‭ ‬أرضه‭ ‬واستقراره،‭ ‬وهكذا‭ ‬يبدو‭ ‬الصوت‭ ‬الطنان‭ ‬والرنان‭ ‬بلا‭ ‬عقل‭ ‬ولا‭ ‬فعل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬كثيرة‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية،‭ ‬ومازالت‭ ‬هناك‭ ‬الملايين‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬غير‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭.‬

منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تعلم‭ ‬العالم،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬والتفاهم‭ ‬والعقل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬الانتصارات‭ ‬والنجاحات،‭ ‬وعندما‭ ‬عاكست‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هذا‭ ‬الدرس‭ ‬بحرب‭ ‬فيتنام‭ ‬خسرت‭ ‬ومن‭ ‬يومها‭ ‬تعلمت‭ ‬متى‭ ‬تتحكم‭ ‬بنفسها‭ ‬وأولت‭ ‬شؤونها‭ ‬للبناء‭ ‬والإنجاز،‭ ‬فخاضت‭ ‬المغامرات‭ ‬والمجازفات‭ ‬ولكن‭ ‬بصوت‭ ‬عاقل‭ ‬وليس‭ ‬بالضجيج‭ ‬والضوضاء،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬خاضت‭ ‬الحروب‭ ‬واكتوت‭ ‬بها‭ ‬وعانت‭ ‬مرارة‭ ‬وتداعيات‭ ‬الحرب،‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وتحقيق‭ ‬الرخاء‭ ‬والسلام‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬عقلانية‭ ‬بالتعامل‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬العنصرية‭ ‬والتطرف‭ ‬والتشنج‭ ‬والصراخ‭ ‬والولوج‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬يسوده‭ ‬التفاهم‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬فوضى،‭ ‬وهكذا‭ ‬تغلبت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬على‭ ‬يأسها‭ ‬وحققت‭ ‬انتصاراتها‭ ‬بالعقلانية،‭ ‬وقد‭ ‬صعقتُ‭ ‬مؤخرًا‭ ‬وأنا‭ ‬أشاهد‭ ‬فلسطينيا‭ ‬يحرق‭ ‬سيارته‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬الرسوم‭ ‬وآخر‭ ‬يصنع‭ ‬أحذية‭ ‬يكتب‭ ‬عليها‭ ‬اسمي‭ ‬ترامب‭ ‬وماكرون،‭ ‬وهناك‭ ‬آخرون‭ ‬يتفننون‭ ‬في‭ ‬التشنج‭ ‬ودفع‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التعنت‭ ‬والتشدد‭ ‬ونبذنا،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أننا‭ ‬مازلنا‭ ‬لم‭ ‬نفهم‭ ‬الآخر‭ ‬ولن‭ ‬نفهمه‭ ‬وسنخسر‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬قضايانا‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الحق‭ ‬معنا‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬العقلانية‭ ‬والموضوعية‭ ‬ولغة‭ ‬التفاهم‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬دون‭ ‬تشنج،‭ ‬فنحن‭ ‬أسرى‭ ‬سياسة‭ ‬القطيع‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬المشكلة‭ ‬الأزلية‭ ‬معنا‭.‬

 

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬تسرع‭ ‬وقت‭ ‬البطء‭ ‬ولا‭ ‬تبطئ‭ ‬وقت‭ ‬السرعة‭.‬