مُلتقطات

“افتراسُ”... المُطلقات!

| د. جاسم المحاري

بدا‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬نُطق‭ ‬مفردة‭ ‬“أنتِ‭ ‬طالق”‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬بعد‭ ‬تعدُّد‭ ‬المُسبّبات‭ ‬المخبوءة‭ ‬بين‭ ‬الخيانة‭ ‬الزوجية‭ ‬والملل‭ ‬الزوجي،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬سهولة‭ ‬التغيير‭ ‬وإيجاد‭ ‬البديل،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬طغيان‭ ‬المادة‭ ‬وانتشار‭ ‬الأنانية،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬شيوع‭ ‬العنف‭ ‬والانشغال‭ ‬المتبادل،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الافتقار‭ ‬للصّبر‭ ‬وتحمّل‭ ‬الأعباء،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬التّقصير‭ ‬في‭ ‬الواجبات‭ ‬المنزلية‭ ‬والحقوق‭ ‬الزوجية،‭ ‬حيث‭ ‬تجلّت‭ ‬آثار‭ ‬تلك‭ ‬المفردة‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬الأبناء‭ ‬الذين‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬عرضة‭ ‬للضّياع‭ ‬في‭ ‬منزلق‭ ‬المشاكل‭ ‬النّفسيّة‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬انتشالهم‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬تعميق‭ ‬منسوب‭ ‬الشقاق‭ ‬بين‭ ‬الطليقين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عمّا‭ ‬تُغذيه‭ ‬نظرة‭ ‬المجتمع‭ ‬المُشينة‭ ‬لكليهما‭!‬

جاءت‭ ‬“شِرْعَة”‭ ‬الطلاق‭ ‬باعتباره‭ ‬حلا‭ ‬لعقد‭ ‬النكاح‭ ‬أو‭ ‬بعضه،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬محللّة‭ ‬و”مبغوضة”‭ ‬عند‭ ‬ضرورة‭ ‬إقامة‭ ‬المصالح‭ ‬أو‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬لزوم‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬الرباط‭ ‬المقدس؛‭ ‬لعلّة‭ ‬تباين‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬أو‭ ‬تنافر‭ ‬بالطباع‭ ‬أو‭ ‬استيفاء‭ ‬للمقاصد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬محو‭ ‬المفاسد‭ ‬المستشرية‭ ‬وتجنّب‭ ‬المكاره‭ ‬الدينية‭ ‬وإنفاد‭ ‬الشرور‭ ‬الدنيوية‭ ‬وإزالة‭ ‬المانع‭ ‬الملحّ‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬نفسه‭ ‬شاذاً‭ ‬وغريباً‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬فيما‭ ‬قد‭ ‬يطّلع‭ ‬أحدهما‭ ‬من‭ ‬صاحبه‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يرتضيه‭ ‬من‭ ‬سلوك‭ ‬شخصي‭ ‬أو‭ ‬عيب‭ ‬خفيّ‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬معه‭ ‬مقاصد‭ ‬الزواج‭ ‬الخالصة‭ ‬واستحالةِ‭ ‬استمراره‭ ‬وسط‭ ‬أجواء‭ ‬التنافر‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬آثارها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المدمرة‭ ‬وتبعاتها‭ ‬النفسية‭ ‬الهادمة‭ ‬جميع‭ ‬المجتمعات‭ ‬بلا‭ ‬استثناء‭.‬

وبين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬تبقى‭ ‬المرأة‭ ‬“المُطلقة”‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬رأي‭ ‬سواد‭ ‬القارئات‭ ‬الأعظم‭ ‬–‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬كانت‭ ‬ركناً‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أسري‭ ‬يفيض‭ ‬بالمودة‭ ‬والرحمة،‭ ‬وينتهي‭ ‬بها‭ ‬المطاف‭ ‬لأنْ‭ ‬تكون‭ ‬عرضة‭ ‬لحملات‭ ‬التشويه‭ ‬وسهام‭ ‬النظرات‭ ‬التي‭ ‬تنعتها‭ ‬بصاحبة‭ ‬السوابق‭ ‬حيناً‭ ‬أو‭ ‬ترميها‭ ‬فريسة‭ ‬لضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬والدين‭ ‬حيناً‭ ‬آخر،‭ ‬دون‭ ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬بمقدورها‭ ‬حماية‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬اضطهاد‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يُجرّعها‭ ‬مرارة‭ ‬“اللقبّ‭ ‬الجديد”‭ ‬بعدما‭ ‬توقفت‭ ‬بها‭ ‬سفينة‭ ‬الحياة‭ ‬تحت‭ ‬بوصلة‭ ‬التأويلات‭ ‬المضللة‭ ‬والتفسيرات‭ ‬الباغية‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تقذفها‭ ‬بسموم‭ ‬سهامها‭ ‬الجارحة‭!.‬

نافلة‭:‬

من‭ ‬المؤسف،‭ ‬رَوَاج‭ ‬الزواج‭ ‬بين‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬“سترٌ”،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّه‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الزوجين؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬صيرّه‭ ‬خاضعاً‭ ‬لـ‭ ‬“بعض”‭ ‬معايير‭ ‬المجتمع‭ ‬الصارمة‭ ‬ضد‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حظها‭ ‬العاثر‭ ‬الذي‭ ‬يضطرها‭ ‬للبدائل‭ ‬المشوهة‭ ‬أو‭ ‬الحلول‭ ‬المُنتقصة‭ ‬التي‭ ‬أركنتها‭ ‬في‭ ‬زاويا‭ ‬النبذ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والديني،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬اختياراتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬ودرجاتها‭ ‬العادلة‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬والراحة،‭ ‬ودون‭ ‬أنْ‭ ‬تدفع‭ ‬فواتير‭ ‬اجتماعية‭ ‬ونفسية‭ ‬باهظة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مُحاطة‭ ‬بالتناقضات‭ ‬ومغلفة‭ ‬بالمتاهات،‭ ‬قد‭ ‬تُخفيها‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬تارة‭ ‬أو‭ ‬تُزوجها‭ ‬لطاعن‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭!.‬