انتخابات الرئاسة الأميركية واحتمالات البداية لفوضى عالمية

| مؤنس المردي

ليس‭ ‬جديدًا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬قبيل‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬للرئاسة‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬العربي‭ ‬والانقسام‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬والتباين‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والاختلاف‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬حول‭ ‬الأحق‭ ‬بالدعم‭ ‬والأولى‭ ‬بالتأييد‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬لهذه‭ ‬الانتخابات،‭ ‬حتى‭ ‬ليبدو‭ ‬للمتابع‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلافًا‭ ‬جوهريًّا‭ ‬بينهما‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أحدهما‭ ‬ينتمي‭ ‬لعالمنا‭ ‬ويتبنى‭ ‬قضايانا‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالحنا‭.‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأميركية‭ ‬السابقة،‭ ‬يضع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬آماله‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المرشحين‭ ‬ويعتقد‭ ‬في‭ ‬مخيلته‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬فوزه‭ ‬سيكون‭ ‬مدافعًا‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬العربية،‭ ‬ومحاربًا‭ ‬ضد‭ ‬عدو‭ ‬يهدد‭ ‬المنطقة‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬أنفسهم‭ ‬يعلمون‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأمنيات‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬التطبيق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬بأن‭ ‬يحلم‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬بفارس‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬صهوة‭ ‬جواده‭ ‬ليكون‭ ‬المنقذ‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التفكك‭ ‬العربي‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قسمًا‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬تصدير‭ ‬الآمال‭ ‬الواهية‭ ‬أو‭ ‬التعلق‭ ‬بالأحلام‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتحقق،‭ ‬فيعلنها‭ ‬جهرًا‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬خلافات‭ ‬هيكيلية‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬ولا‭ ‬فائدة‭ ‬عملية‭ ‬أو‭ ‬مصلحة‭ ‬عربية‭ ‬يمكن‭ ‬توقعها‭ ‬أو‭ ‬انتظارها‭ ‬بفوز‭ ‬أحد‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬لأن‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬أميركا‭ ‬وليس‭ ‬لغيرها‭ ‬وأنها‭ ‬ستظل‭ ‬هكذا‭ ‬ولن‭ ‬تتغير‭.‬

ويبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬المزاج‭ ‬الخليجي‭ ‬مرتاح‭ ‬أو‭ ‬متعاطف‭ ‬ومؤيد‭ ‬للرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الحالي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ويتمنى‭ ‬استمراره‭ ‬ليزيد‭ ‬من‭ ‬عقوباته‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬ويواصل‭ ‬نهجه‭ ‬الذي‭ ‬يوصف‭ ‬بالحاسم‭ ‬في‭ ‬كبح‭ ‬لجام‭ ‬الشر‭ ‬الإيراني‭ ‬النووي‭ ‬والتوسعي،‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬الهاجس‭ ‬الأكبر‭ ‬والخطر‭ ‬الأعظم‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬وشعوبها‭ ‬واستقرارها‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬بالفعل‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬رصيد‭ ‬اقتصادي‭ ‬معتبر‭ ‬داخليًّا،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرصيد‭ ‬ذهب‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭ ‬بسبب‭ ‬الجائحة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الميزة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لحكمه‭ ‬خارجيًا‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬سياسته‭ ‬غير‭ ‬المهادنة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تجاه‭ ‬إيران،‭ ‬باتت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬محل‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬عزم‭ ‬ترامب‭ ‬عقد‭ ‬صفقة‭ ‬واتفاق‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬خاطب‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬ونظامه‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬لاتفاق‭ ‬يفك‭ ‬الكرب‭ ‬عنهم‭.‬

أما‭ ‬الشعور‭ ‬الخليجي‭ ‬نحو‭ ‬المرشح‭ ‬الآخر‭ ‬للرئاسة‭ ‬الأميركية‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬فيتسم‭ ‬بالقلق‭ ‬والتوجس،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬ترسخ‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬بايدن‭ ‬وما‭ ‬وصف‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬م‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬رئاسة‭ ‬الديمقراطي‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬للبيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬وما‭ ‬أحدثه‭ ‬هذا‭ ‬الربيع‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬كارثية‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬والمستويات،‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬وتدمير‭ ‬لدول‭ ‬كبيرة‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬آثارها‭ ‬ماثلة‭ ‬أمامنا‭ ‬وقد‭ ‬تحتاج‭ ‬لعقود‭ ‬لمعالجتها‭.‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فعلينا‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬بدا‭ ‬من‭ ‬الجمهوريين‭ (‬الذين‭ ‬ينتمي‭ ‬إليهم‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭) ‬على‭ ‬لسان‭ ‬كونداليزا‭ ‬رايس‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬لذا‭ ‬فالخلاصة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬والنتيجة‭ ‬الواقعية‭ ‬والمنطقية‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬عميق‭ ‬بين‭ ‬المرشحين‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬آمالنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأميركية‭ ‬ونظن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬سيعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحنا‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬الأخطر‭ ‬وغير‭ ‬المسبوق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأميركية،‭ ‬فهو‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬“المقلقة”‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬والصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬الذي‭ ‬تواجهه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والذي‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ظهور‭ ‬ميلشيات‭ ‬محلية‭ ‬مسلحة‭ ‬أميركية‭ ‬صغيرة‭ ‬تجوب‭ ‬بعض‭ ‬الولايات‭ ‬الأميركية،‭ ‬وحديث‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الأميركيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬عن‭ ‬مخاطر‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬نتائجها،‭ ‬وتأكيدهم‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تمر‭ ‬بشكل‭ ‬سلس‭ ‬وقد‭ ‬يصاحبها‭ ‬الفوضى‭ ‬والاشتباك‭ ‬بين‭ ‬المواطنين،‭ ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬نرى‭ ‬صوت‭ ‬العنصرية‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬أوجِّها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيلقي‭ ‬بتأثيراته‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬المجتمع‭ ‬الأميركي‭ ‬واستقراره‭.‬

ونختم‭ ‬بالمقولة‭ ‬المعروفة‭ ‬للكل‭ ‬بأنه”إذا‭ ‬مرضت‭ ‬أميركا،‭ ‬فالعالم‭ ‬كله‭ ‬سيمرض”،‭ ‬ولذلك،‭ ‬ورغم‭ ‬أننا‭ ‬قد‭ ‬نختلف‭ ‬حول‭ ‬السياسات‭ ‬الأميركية،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬أميركا‭ ‬هذا‭ ‬المأزق‭ ‬الخطير‭ ‬بسلام‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تبدأ‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬فيحل‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭.‬