السياق قبال المصادفة

| عباس العمران

قديماً‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬براعة‭ ‬الاستهلال‭ ‬من‭ ‬محسنات‭ ‬المقال،‭ ‬ويقولُ‭ ‬العلماء‭ ‬إن‭ ‬للسياق‭ ‬تأثيرًا‭ ‬بليغًا‭ ‬على‭ ‬النص،‭ ‬وإنه‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬الفهم،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬يصف‭ ‬اللغويون‭ ‬المفردة‭ ‬الدخيلة‭ ‬على‭ ‬النص‭ ‬بأنها‭ ‬خارج‭ ‬السياق،‭ ‬وهذا‭ ‬وصف‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يُضعِف‭ ‬الكلام،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬السياق‭ ‬يساعدنا‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬المعنى‭ ‬بصورة‭ ‬أعمق،‭ ‬ويلبس‭ ‬النص‭ ‬ثوب‭ ‬الانسجام‭. ‬يُعرّف‭ ‬“ابن‭ ‬منظور”‭ ‬في‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭ ‬السياق‭ ‬بأنه‭ ‬“ما‭ ‬تساوق”‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬تتابع،‭ ‬والسياق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتصف‭ ‬بالصفة‭ ‬العمدية‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان،‭ ‬لأن‭ ‬الكلمة‭ - ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الأولون‭ - ‬قد‭ ‬تهدي‭ ‬ضالاً،‭ ‬وقد‭ ‬تُضلُ‭ ‬هاديا‭.‬

في‭ ‬علمِ‭ ‬الإدارة‭ ‬يوجد‭ ‬أيضاً‭ ‬سياق‭ ‬تنظيمي،‭ ‬يتبعهُ‭ ‬قائد‭ ‬المؤسسة‭ ‬ويتأثر‭ ‬به‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق،‭ ‬دعوني‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬الموضوع‭ ‬أقص‭ ‬عليكم‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭: ‬في‭ ‬حديثٍ‭ ‬جميل‭ ‬جمعني‭ ‬بأحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة،‭ ‬وكعادة‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬الوقت‭ ‬والمشاغل‭ ‬الحياتية‭ ‬أن‭ ‬يلتقوا‭ ‬كثيراً،‭ ‬فإننا‭ ‬نسينا‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ونسينا‭ ‬الوقت‭ ‬وامتد‭ ‬بنا‭ ‬الحديث‭ ‬لساعتين‭ ‬دونِ‭ ‬أن‭ ‬نشعر،‭ ‬وعند‭ ‬سؤالي‭ ‬عن‭ ‬عمله‭ ‬الحالي‭ ‬أجابني‭: ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬عملي‭ ‬السابق‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬يُذكر‭. ‬وقد‭ ‬فهمتُ‭ ‬من‭ ‬إجابته‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭. ‬السياق‭ ‬المفتقد‭ ‬للتطوير‭ ‬وتغيير‭ ‬الدماء‭ ‬آفة‭ ‬المؤسسات‭ ‬وعدوها‭ ‬الأول‭.‬

يشدد‭ ‬علماء‭ ‬الإدارة‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬للمؤسسة‭ ‬طابع‭ ‬تقليدي،‭ ‬وأخذ‭ ‬في‭ ‬الامتداد‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬واصلاً‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬فتيقن‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬سيصبحُ‭ ‬شاقاً‭ ‬ومُكلفاً‭. ‬قد‭ ‬نتفهم‭ ‬خللاً‭ ‬إدارياً‭ ‬طارئاً‭ ‬يحدثُ‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬معينة‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬عرقلة‭ ‬بعض‭ ‬الجهود،‭ ‬وحينها‭ ‬يمكنُ‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬الخلل‭ ‬بأنه‭ ‬مُصادفة‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬صفة‭ ‬التراجع‭ ‬المستمر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬متفوقة،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬خللاً‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬المؤسسي،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مصادفة‭ ‬أم‭ ‬ضمن‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬فشل‭ ‬المؤسسة‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬دون‭ ‬خطط‭ ‬تطوير‭ ‬بل‭ ‬تنتكس‭ ‬أكثر،‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬بالتساؤل‭.‬