عندما تنحني العلمانية لأحزاب اليمين

| بدور عدنان

لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الركائز‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬العلمانية‭ ‬المساواة‭ ‬والحرية‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬حيث‭ ‬تعتمد‭ ‬العلمانية‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬فصلاً‭ ‬تاماً‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬فالدول‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬دساتيرها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬القوانين‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬للنأي‭ ‬بالدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬تنكر‭ ‬ولا‭ ‬تحرم‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬اعتناق‭ ‬الدين،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬كالإلحاد‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬تنص‭ ‬العلمانية‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬معتقدات‭ ‬الأفراد‭ ‬الدينية‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬الدولة،‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحرية‭ ‬الفردية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬مرتكزات‭ ‬العلمانية،‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬فإن‭ ‬جماعات‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬تميل‭ ‬للخطاب‭ ‬العنصري‭ ‬الذي‭ ‬يعلي‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬البيض‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأقليات‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬يستهدفها‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭.‬

بحسب‭ ‬هذه‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬ألا‭ ‬تتقاطع‭ ‬العلمانية‭ ‬مع‭ ‬اليمين،‭ ‬فهما‭ ‬مفهومان‭ ‬يسيران‭ ‬في‭ ‬خطين‭ ‬متوازيين‭ ‬لا‭ ‬يلتقيان‭ ‬أبداً،‭ ‬فالعلمانية‭ ‬تحترم‭ ‬الأديان‭ ‬وتكفل‭ ‬لك‭ ‬حرية‭ ‬المعتقد،‭ ‬بينما‭ ‬اليمين‭ ‬يحاربك‭ ‬فقط‭ ‬كونك‭ ‬مكونا‭ ‬غير‭ ‬أساسي‭ ‬ودخيلا‭ ‬على‭ ‬تركيبتهم‭ ‬الأصيلة‭ ‬بحسب‭ ‬اعتقادهم‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬أبداً‭ ‬صحة‭ ‬هذه‭ ‬النظريات،‭ ‬فأينما‭ ‬تشيح‭ ‬بنظرك‭ ‬اليوم‭ ‬سترى‭ ‬أن‭ ‬العلمانية‭ ‬اختطفت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اليمين‭ ‬والشعبويين،‭ ‬فمع‭ ‬ازدياد‭ ‬شعبية‭ ‬اليمين‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬دغدغة‭ ‬المشاعر‭ ‬واستغلال‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الترويج‭ ‬لأحزابهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيه‭ ‬الاتهامات‭ ‬للأقليات‭ ‬العرقية‭ ‬والمهاجرين‭ ‬بأنهم‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية،‭ ‬تنازل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬راية‭ ‬العلمانية‭ ‬عن‭ ‬مبادئهم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وانحنوا‭ ‬أمام‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مقاعدهم‭ ‬السياسية،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬شن‭ ‬حملة‭ ‬تضامن‭ ‬مع‭ ‬اليمين‭ ‬وبالطبع‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يطلقون‭ ‬عليه‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬لشن‭ ‬حملة‭ ‬مسعورة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التحرش‭ ‬بالإرهابيين‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬لا‭ ‬يمتون‭ ‬للإسلام‭ ‬ولا‭ ‬المسلمين‭ ‬بصلة‭. ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬بات‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬أطرت‭ ‬تحت‭ ‬آيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬حزب،‭ ‬وباتت‭ ‬المصلحة‭ ‬فقط‭ ‬هي‭ ‬المعيار‭.‬