ياسمينيات

بأي ذنب قتلت!

| ياسمين خلف

كان‭ ‬وقع‭ ‬خبر‭ ‬وفاة‭ ‬التوأم‭ ‬فاطمة‭ ‬وزهراء‭ ‬مؤلماً‭ ‬لكل‭ ‬شعب‭ ‬البحرين،‭ ‬فما‭ ‬تعرضتا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬أودى‭ ‬بحياتهما‭ ‬كبير،‭ ‬وحرمهما‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬وحرم‭ ‬والديهما‭ ‬من‭ ‬فرحة‭ ‬كانا‭ ‬ينتظرانها‭ ‬لأشهر،‭ ‬إهمال‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬اعتبارها‭ ‬جريمة‭ ‬بعد‭ ‬إزهاق‭ ‬روحيهما‭ ‬بطريقة‭ ‬لا‭ ‬رحمة‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬احترام‭ ‬لجثتيهما‭.‬

الحادثة‭ ‬أبكت‭ ‬الجميع،‭ ‬ولا‭ ‬أبالغ‭ ‬إن‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬أحدهم‭ ‬هاتفني‭ ‬يبكي‭ ‬بُكاءً‭ ‬مريراً‭ ‬غير‭ ‬مصدق‭ ‬ما‭ ‬سمع‭ ‬ورأى،‭ ‬صوت‭ ‬بكاء‭ ‬الطفلة‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المقبرة‭! ‬أيعقل‭ ‬هذا‭ ‬الخبر؟‭ ‬أهو‭ ‬مفبرك؟‭ ‬هل‭ ‬ماتتا‭ ‬حقاً‭ ‬أم‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬إنقاذهما؟‭ ‬كم‭ ‬سيكلف‭ ‬الوزارة‭ ‬لو‭ ‬بقيتا‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬وفاتهما‭ ‬حقاً؟

أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬تحوم‭ ‬في‭ ‬رؤوسنا‭ ‬جميعاً،‭ ‬فمن‭ ‬ساعة‭ ‬الولادة،‭ ‬وحتى‭ ‬استلام‭ ‬الأب‭ ‬الجثتين،‭ ‬ونقلهما‭ ‬إلى‭ ‬المقبرة،‭ ‬كم‭ ‬ساعة‭ ‬مضت؟‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كانتا‭ ‬تتنفسان‭ ‬شهيقا‭ ‬وزفيرا‭! ‬أليست‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كفيلة‭ ‬بإنقاذهما؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تلقيا‭ ‬العناية‭ ‬الطبية‭ ‬القصوى‭ ‬لإنقاذهما‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬عبر‭ ‬الإنعاش‭ ‬الطبي‭ ‬لحالتين‭ ‬بالغتي‭ ‬الخطورة؟‭ ‬ألا‭ ‬نملك‭ ‬أطباء‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬الحرجة؟‭ ‬ألا‭ ‬نملك‭ ‬الحاضنات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإنعاش‭ ‬المتطورة‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإنقاذ‭ ‬أرواح‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقاوم‭ ‬طالما‭ ‬مازالت‭ ‬تتنفس؟

إذا‭ ‬كان‭ ‬المبرر‭ ‬البرتوكول‭ ‬الطبي‭ ‬لإنعاش‭ ‬الأجنة‭ ‬الخدج،‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬فرصة‭ ‬نجاة‭ ‬الأجنة‭ ‬ممن‭ ‬تقل‭ ‬أوزانهم‭ ‬عن‭ ‬500‭ ‬غرام‭ ‬وأعمارهم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬أسبوعاً،‭ ‬ضئيلة‭ ‬جداً‭ ‬واعتبارهم‭ ‬مجهضين،‭ ‬فنحن‭ ‬بذلك‭ ‬نضرب‭ ‬إيماننا‭ ‬بقدرة‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬إحيائهم‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭! ‬فالله‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إحيائهم،‭ ‬وطالما‭ ‬مازالوا‭ ‬يتنفسون‭ ‬بل‭ ‬ويبكون‭ ‬فهم‭ ‬أحياء‭ ‬يرزقون‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬بكفة،‭ ‬وتسليم‭ ‬الجثث‭ ‬في‭ ‬أكياس‭ ‬بلاستيكية‭ ‬بكفة‭ ‬أخرى‭! ‬ألا‭ ‬تُحترم‭ ‬النفس‭ ‬الميتة؟‭ ‬ألا‭ ‬تؤخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬مشاعر‭ ‬الأبوين؟‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬علينا‭ ‬بقوة‭ ‬اليوم،‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬دفنت‭ ‬وهي‭ ‬حية؟‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬قبل‭ ‬فاطمة‭ ‬وزهراء‭ ‬أرواح‭ ‬تنتظر‭ ‬إنعاشها‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬العيش؟‭ ‬هل‭ ‬ووريت‭ ‬الثرى‭ ‬أجساد‭ ‬كانت‭ ‬قلوبها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تنبض،‭ ‬وربما‭ ‬مازالت‭ ‬تتنفس؟‭.‬

 

ياسمينة‭:

‬أجنة‭ ‬أصغر‭ ‬تشبثوا‭ ‬بالحياة،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬وجدوا‭ ‬من‭ ‬ينقذهم‭.‬