ريشة في الهواء

فرنسا... رؤية بعيدة عن التشنج

| أحمد جمعة

من‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخ‭ ‬فرنسا‭ ‬الحضاري‭ ‬ولا‭ ‬يفهم‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬وتركيبته‭ ‬قد‭ ‬تخونه‭ ‬الأحكام‭ ‬المُتسرعة‭ ‬ويسقط‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬العصبيات‭ ‬والتشنجات‭ ‬ودعوات‭ ‬المقاطعة‭ ‬بأي‭ ‬اتجاه‭ ‬كانت‭ ‬وقد‭ ‬خبرناها‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬طفرات‭ ‬عاطفية‭ ‬تلازم‭ ‬كلّ‭ ‬موقف‭ ‬غوغائي‭ ‬يجرنا‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬العصبية،‭ ‬لنتذكر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نتصارع‭ ‬ونصارع،‭ ‬بأن‭ ‬ذبح‭ ‬إنسان‭ ‬بحد‭ ‬السكين‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬كلّ‭ ‬الشرائع،‭ ‬ولنتذكر‭ ‬بالوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬بالذات‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية،‭ ‬تعتبر‭ ‬الأكثر‭ ‬علمانية،‭ ‬إذا‭ ‬يعود‭ ‬تاريخ‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬الحريات‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬قرون،‭ ‬وفي‭ ‬القاموس‭ ‬الدولي‭ ‬هي‭ ‬مدينة‭ ‬النور‭ ‬والثقافات‭ ‬والفنون‭ ‬والتعبير،‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬جريمة‭ ‬ذبح‭ ‬المدرس‭ ‬كانت‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬صاعقة‭ ‬هزت‭ ‬المجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬برمته‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬ماكرون‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬بتلك‭ ‬الصورة‭ ‬الغاضبة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الفرنسين،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المزايدات‭ ‬العاطفية‭ ‬والعصبيات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬حقيقتين‭ ‬تمثلان‭ ‬واقعين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزهما‭.‬

أولا‭ ‬تتحمل‭ ‬فرنسا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬كبريطانيا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬مسؤولية‭ ‬كبيرة‭ ‬بفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للتنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬عنها،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬مرتعا‭ ‬للمتطرفين‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬عانت‭ ‬فرنسا‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات،‭ ‬هي‭ ‬تملك‭ ‬معلومات‭ ‬وملفات‭ ‬كاملة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬وقد‭ ‬سمحت‭ ‬لها‭ ‬بالحركة‭ ‬ضمن‭ ‬اعتقاد‭ ‬بحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ولم‭ ‬تدرك‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬ستدفع‭ ‬الثمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حرية‭ ‬تعبير‭ ‬لمتطرفين،

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬لننتبه‭ ‬بأن‭ ‬المواقف‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬سنتخذها‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬فرنسا‭ ‬كعرب‭ ‬ومسلمين‭ ‬ضد‭ ‬فرنسا‭ ‬ستضر‭ ‬بالملايين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬المتواجدين‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الفرنسية‭ ‬وستزيد‭ ‬معاناتهم‭ ‬بل‭ ‬وشقاءهم‭ ‬بسبب‭ ‬مواقفنا‭ ‬المتطرفة‭ ‬بالخارج،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نندفع‭ ‬كالأحمق‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬يتاجر‭ ‬بكلِّ‭ ‬قضايا‭ ‬المسلمين‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬تاجر‭ ‬حقيبة‭ ‬بتاريخ‭ ‬الرؤساء‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬لننظر‭ ‬بواقعية‭ ‬وموضوعية‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬وغضب‭ ‬الفرنسيين‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬صدمتهم‭ ‬تجاه‭ ‬جريمة‭ ‬بشعة‭ ‬صدمتهم‭ ‬بالعمق‭ ‬وهزت‭ ‬بلدهم،‭ ‬وهذه‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬طالما‭ ‬كان‭ ‬مدينة‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليست‭ ‬دعوة‭ ‬المقاطعة‭ ‬والتصعيد‭ ‬لصالح‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬إذ‭ ‬ستضيق‭ ‬عليهم‭ ‬أكثر،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حالنا‭ ‬دائما‭ ‬مع‭ ‬الانفعال‭ ‬والتشنج‭ ‬والتسرع‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يجلب‭ ‬لنا‭ ‬سوى‭ ‬الشقاء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يزرع‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬السلام‭ ‬بأرجاء‭ ‬المعمورة‭. ‬وتشهد‭ ‬المنطقة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬انعطافًا‭ ‬نحو‭ ‬التهدئة‭ ‬وبناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والأديان‭ ‬والثقافات،‭ ‬إذا‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬ترك‭ ‬العصبيات‭ ‬والتشنج‭ ‬يقود‭ ‬عواطفنا‭ ‬وكفى‭ ‬متاجرة‭ ‬بالدين‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

لا‭ ‬داعي‭ ‬لانتظار‭ ‬تصفيق‭ ‬الآخرين‭ ‬كعلامة‭ ‬للنجاح‭.‬