مناعة الانهزام

| د.حورية الديري

قد‭ ‬تجبرنا‭ ‬رحلة‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬المرور‭ ‬بمحطات‭ ‬عديدة،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يسعدنا‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يصدمنا،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬نتشوق‭ ‬إليه‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬نتقايض‭ ‬عليه،‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقول‭ ‬“الحمد‭ ‬لله”‭ ‬وفيها‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نردد‭ ‬“لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله”،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المحطات‭ ‬نتعرض‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التشويش‭ ‬والتلاطمات،‭ ‬كأن‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬نتيقن‭ ‬خلالها‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬المحطة‭ ‬التي‭ ‬نريد،‭ ‬كمن‭ ‬يستخدم‭ ‬المترو‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬للتنقل‭ ‬أثناء‭ ‬السفر،‭ ‬فتختلط‭ ‬عليه‭ ‬الأمور‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬محطة‭ ‬قادمة‭ ‬عليه‭ ‬النزول،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬يجبرنا‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬المسير،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬نتكيف‭ ‬ونتقبل‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬نصاب‭ ‬بدوار‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ‬خوفًا‭ ‬مما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬الأمور،‭ ‬فتتحول‭ ‬مسيرتنا‭ ‬إلى‭ ‬ترقب‭ ‬للمجهول‭.‬

لكن‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬أمسكت‭ ‬قلمًا‭ ‬وورقة‭ ‬كي‭ ‬ترسم‭ ‬معالمها‭ ‬الآن؟‭ ‬حتمًا‭ ‬سترى‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬تستحق‭ ‬معه‭ ‬أن‭ ‬تعتز‭ ‬بنفسك‭ ‬وتقدر‭ ‬ذاتك،‭ ‬لأن‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬نتاج‭ ‬أفعالك،‭ ‬فنفسك‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تسمو‭ ‬بها‭ ‬عما‭ ‬يجعلك‭ ‬تَعبر‭ ‬سريعًا‭ ‬عن‭ ‬تقدير‭ ‬حقك‭ ‬في‭ ‬الاستحقاق،‭ ‬لأن‭ ‬القوة‭ ‬فيها‭ ‬إنجاز‭ ‬عظيم‭ ‬والهيّن‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬درس‭ ‬كبير،‭ ‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬الثنائيات‭ ‬نتعلم‭ ‬ونتقن‭ ‬مهارة‭ ‬الحياة،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭: ‬كيف‭ ‬تبدو‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬محطة‭ ‬وأخرى؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكننا‭ ‬الوصول‭ ‬لدرجة‭ ‬المناعة‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬تجعلنا‭ ‬نسير‭ ‬دون‭ ‬تصادم‭ ‬مع‭ ‬ذواتنا؟

حتمًا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بالقبول‭ ‬أولاً‭ ‬بما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة،‭ ‬وتقبل‭ ‬التغيير،‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬الواقع،‭ ‬ثم‭ ‬التجربة‭ ‬وعدم‭ ‬التردد‭ ‬كي‭ ‬تنشأ‭ ‬الخبرة‭ ‬وتتعدى‭ ‬كل‭ ‬تحدٍ،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يُولد‭ ‬مناعة‭ ‬قوية‭ ‬لا‭ ‬تهاب‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬محطة‭ ‬مهما‭ ‬يحصل‭ ‬من‭ ‬مفاجآت،‭ ‬وتظل‭ ‬مستعدًا‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواقف‭ ‬والأشخاص،‭ ‬وهنا‭ ‬فلنتذكر‭ ‬جميعًا‭ ‬قاعدة‭ ‬‮٩٠‬‭/‬‮١٠‬‭ ‬التي‭ ‬تجزم‭ ‬بأن‭ ‬‮٩٠‬‭ % ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬ردود‭ ‬أفعالنا‭.‬

لذلك،‭ ‬ماذا‭ ‬يحصل‭ ‬لو‭ ‬وجدت‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬المحطة‭ ‬الخاطئة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬حياتك؟‭ ‬وماذا‭ ‬يحصل‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أهدافك؟‭ ‬وماذا‭ ‬يحصل‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬تنتظر‭ ‬ترقية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وجاءت‭ ‬خلاف‭ ‬ما‭ ‬تريد؟‭ ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الصادمة‭. ‬إن‭ ‬الوعي‭ ‬بذلك‭ ‬كله‭ ‬يولد‭ ‬لديك‭ ‬المناعة‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تنبني‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬يعترضك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة،‭ ‬ومعها‭ ‬حتمًا‭ ‬لن‭ ‬يعرفك‭ ‬الانهزام‭ ‬أبدًا‭ ‬طالما‭ ‬أنك‭ ‬مجتهد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬مهما‭ ‬تدخلت‭ ‬بها‭ ‬الظروف،‭ ‬لن‭ ‬يثنيك‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬عن‭ ‬قراراتك،‭ ‬والسبب‭ ‬أن‭ ‬مناعتك‭ ‬صنعت‭ ‬لديك‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬تخرج‭ ‬بالحكمة‭ ‬والاتزان‭.. ‬إنها‭ ‬مناعة‭ ‬الانهزام‭.‬