زبدة القول

لماذا كل هذه الضجة؟

| د. بثينة خليفة قاسم

منذ‭ ‬إعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رفع‭ ‬اسم‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬الراعية‭ ‬للإرهاب‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬لغط‭ ‬ربط‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالإعلان‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حدثت‭ ‬ضجة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬السوداني‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أحزاب‭ ‬وشخصيات‭ ‬سودانية‭ ‬معينة،‭ ‬هذه‭ ‬الضجة‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬هي‭ ‬ضجة‭ ‬غريبة‭ ‬وتظهر‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬بمظهر‭ ‬المغيبين‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬والذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وعالم‭ ‬الستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وفي‭ ‬السودان،‭ ‬ولا‭ ‬يهمهم‭ ‬الثمن‭ ‬الباهظ‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬مضت‭ ‬بسبب‭ ‬هذه‭ ‬الوصمة‭ ‬الظالمة‭ ‬وهي‭ ‬وصمة‭ ‬رعاية‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬نظام‭ ‬لفظه‭ ‬السودانيون‭ ‬وثاروا‭ ‬عليه‭ ‬وخلعوه‭.‬

القائمون‭ ‬على‭ ‬أمر‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬الصعبة،‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬فهمي،‭ ‬استجابوا‭ ‬لتغيرات‭ ‬وأحداث‭ ‬قلبت‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وأرادوا‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وفي‭ ‬عزلة‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬فكروا‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬ومستقبله‭ ‬وضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬من‭ ‬المآزق‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بتلابيبه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬فتعاملوا‭ ‬بالعقل‭ ‬والحسابات‭ ‬والواقعية‭ ‬ووضعوا‭ ‬الشعارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬منها‭ ‬جانبا‭.‬

إن‭ ‬السياسة‭ ‬فن‭ ‬الممكن،‭ ‬وهذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬بكل‭ ‬تعقيداتها‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬خيارا‭ ‬للسودانيين،‭ ‬فالاتفاق‭ ‬السياسي‭ ‬لن‭ ‬يمحو‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬الوجود،‭ ‬ولكن‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يلحق‭ ‬بالسودان‭ ‬كل‭ ‬ألوان‭ ‬الضرر‭ ‬ويهدد‭ ‬وحدة‭ ‬الدولة‭ ‬وبقاءها،‭ ‬والاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬يتحدثون‭ ‬عنه‭ ‬هو‭ ‬إرادة‭ ‬شعب‭ ‬وليس‭ ‬فرضا‭ ‬عليه،‭ ‬والاتفاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬وأخرى‭ ‬ليست‭ ‬قرآنا‭ ‬ولكنها‭ ‬أمور‭ ‬يمكن‭ ‬إلغاؤها‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬طالما‭ ‬سنحت‭ ‬الظروف‭ ‬وطالما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬فن‭ ‬الممكن‭.‬