ريشة في الهواء

نصر بلا طعم!

| أحمد جمعة

الحياة‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬النجاح‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬بفريق‭ ‬يشارك‭ ‬بصنع‭ ‬الفوز،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تستولي‭ ‬عليه‭ ‬وحدك،‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬سباقه‭ ‬نحو‭ ‬الهاوية،‭ ‬ويظن‭ ‬أنه‭ ‬سباق‭ ‬النجاح‭ ‬والفوز‭ ‬والتغلب‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬بتحقيق‭ ‬نصر‭ ‬مؤزر‭ ‬حينما‭ ‬يكتسح‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬أمامه‭ ‬ويدوس‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬يدهس‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬بطريق‭ ‬ظفره‭ ‬المكلل‭ ‬بهالة‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬هذا‭ ‬السباق‭ ‬المحموم‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬طاقة‭ ‬العمل‭ ‬الإيجابية‭ ‬ولا‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬بروح‭ ‬المثابرة‭ ‬وتحقيق‭ ‬الذات‭ ‬بالإنجاز،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬أعنيه‭ ‬هو‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬باعوا‭ ‬أرواحهم‭ ‬للفوز‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬لاكتساح‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬العيش‭ ‬الإنساني‭ ‬ولو‭ ‬دهسوا‭ ‬غيرهم‭ ‬بسبيل‭ ‬بلوغ‭ ‬المجد‭! ‬مستنفدين‭ ‬جلّ‭ ‬طاقاتهم‭ ‬في‭ ‬الغدر‭ ‬وخيانة‭ ‬ضميرهم‭ ‬ببيعه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يسكنهم‭ ‬أو‭ ‬يؤثر‭ ‬عليهم،‭ ‬ثم‭ ‬بخيانة‭ ‬غيرهم‭ ‬ممن‭ ‬اشتغلوا‭ ‬معهم‭ ‬ورافقوهم‭ ‬بطريق‭ ‬النجاح‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يؤسسهُ‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬تكاتف‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬حضاري‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بأي‭ ‬إطار‭ ‬أو‭ ‬مجال‭ ‬ثقافي‭ ‬أو‭ ‬تجاري‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سياسي‭ ‬رغم‭ ‬مستنقع‭ ‬السياسة،‭ ‬الحياة‭ ‬نجاح‭ ‬إذا‭ ‬حققته‭ ‬وحدك‭ ‬فأنت‭ ‬أحق‭ ‬به،‭ ‬لكنه‭ ‬يتحول‭ ‬لجريمة‭ ‬إذا‭ ‬سرقتهُ‭ ‬من‭ ‬فريقك‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬النجاح‭ ‬معك‭.‬

ظاهرة‭ ‬مجتمعنا‭ ‬بهذا‭ ‬الزمن‭ ‬انسحاق‭ ‬الضمير‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬أنانية‭ ‬النجاح،‭ ‬سرقة‭ ‬جهد‭ ‬الآخرين‭ ‬علامة‭ ‬مميزة‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يلغي‭ ‬عشرات‭ ‬قصص‭ ‬الفوز‭ ‬الفردي‭ ‬الذي‭ ‬وراءه‭ ‬روح‭ ‬مبدعة‭ ‬وابتكار‭ ‬ذاتي‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬إنسانية‭ ‬تسعى‭ ‬للابتكار،‭ ‬متسلحة‭ ‬بقيم‭ ‬إنسانية‭ ‬عظيمة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬وفاء‭ ‬المرء‭ ‬لذاته‭ ‬ومجتمعه‭ ‬ومحبيه،‭ ‬لأنه‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬منعطف‭ ‬الإنسانية‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬وثقافة‭ ‬وحب‭ ‬للحياة‭ ‬لا‭ ‬يشوبه‭ ‬الحسد‭ ‬والأنانية،‭ ‬لماذا‭ ‬برأيكم‭ ‬تتراكم‭ ‬ظاهرة‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬وسرقة‭ ‬جهدهم‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مشاريعهم؟‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حياتنا‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد‭ ‬بهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الأنانية،‭ ‬لكن‭ ‬إيقاع‭ ‬العصر‭ ‬وطبيعة‭ ‬المنافسة‭ ‬وشراهة‭ ‬المال‭ ‬والجاه‭ ‬والمكانة‭ ‬استولت‭ ‬على‭ ‬النفوس‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬حوّلت‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬بعضا‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬حيوانٍ‭ ‬مفترس‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بالغابة‭ ‬إلا‭ ‬نفسه،‭ ‬فراح‭ ‬يصارع‭ ‬ويفتعل‭ ‬الحروب‭ ‬الوهمية،‭ ‬يغلفها‭ ‬بمظاهر‭ ‬المثابرة‭ ‬والدأب،‭ ‬ليخفي‭ ‬نيته‭ ‬بسرقة‭ ‬ثمرة‭ ‬غيره‭ ‬حتى‭ ‬تستغرب‭ ‬لجوقة‭ ‬المصفقين‭ ‬له‭ ‬عندما‭ ‬يخرج‭ ‬منتشيًا‭ ‬كما‭ ‬ظن‭ ‬بتحقيق‭ ‬نصره‭ ‬الوهمي‭ ‬الذي‭ ‬سيتركه‭ ‬لاحقًا‭ ‬لأن‭ ‬الحياة‭ ‬قصيرة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬نعتقد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسعد‭ ‬ويستمتع‭ ‬بتلك‭ ‬الانتصارات‭ ‬التخيلية،‭ ‬لأن‭ ‬الانتصار‭ ‬الحقيقي‭ ‬صديقي،‭ ‬هو‭ ‬سعادتك‭ ‬بما‭ ‬حققت‭ ‬وليس‭ ‬بمعاناتك‭ ‬وآلامك‭ ‬وأمراضك‭ ‬وقلقك‭ ‬وتوترك‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬حياتك‭ ‬كلها‭ ‬وأنت‭ ‬تسعى‭ ‬لهذا‭ ‬النصر،‭ ‬ما‭ ‬فائدة‭ ‬نصر‭ ‬بلا‭ ‬سعادة؟‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

كلّ‭ ‬نجاح‭ ‬سرقته‭ ‬عن‭ ‬غيرك‭ ‬فيه‭ ‬شقاؤك‭.‬