زمن الإيموجي

| د.حورية الديري

من‭ ‬أكبر‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬أدخلتها‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ولاقت‭ ‬قبولا‭ ‬عامًا‭ ‬لا‭ ‬اختلاف‭ ‬عليه‭ ‬لحد‭ ‬الآن‭ ‬هي‭ ‬استخدامنا‭ ‬الإيموجي‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬محادثاتنا‭ ‬التعبيرية،‭ ‬وصارت‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬تعويضًا‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬والحوار،‭ ‬وفرصة‭ ‬لمن‭ ‬يؤيدون‭ ‬وتيرة‭ ‬الحياة‭ ‬السريعة‭ ‬ويؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬الاختصار‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬الكلام،‭ ‬بل‭ ‬صرنا‭ ‬نتفنن‭ ‬في‭ ‬اختيارها‭ ‬وصرنا‭ ‬حريصين‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬واستخدام‭ ‬الملصقات‭ ‬التعبيرية‭ ‬كجزء‭ ‬لا‭ ‬نستغني‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬محادثاتنا‭ ‬الإلكترونية‭.‬

هذا‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬استبدال‭ ‬الكلمات‭ ‬العربية‭ ‬بأخرى‭ ‬أجنبية،‭ ‬فكلمة‭ ‬“الإيموجي”‭ ‬مصطلح‭ ‬ياباني‭ ‬الأصل‭ ‬حل‭ ‬محل‭ ‬مصطلح‭ ‬“الرموز‭ ‬التعبيرية”‭ ‬بالعربية،‭ ‬ويا‭ ‬هول‭ ‬ما‭ ‬يضفيه‭ ‬هذا‭ ‬المزج‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬للصحيح‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭.. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تشكل‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬هويتنا‭ ‬الافتراضية؟‭ ‬وما‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬آت؟‭ ‬لأن‭ ‬الحاضر‭ ‬قد‭ ‬تشبع‭ ‬تأثيرًا‭ ‬وأصبحت‭ ‬الإيموجي‭ ‬الأكثر‭ ‬تعبيرًا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والطريف‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬زيادة‭ ‬الإصدارات‭ ‬السنوية‭ ‬للإيموجي‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬حوالي‭ ‬5000‭ ‬رمز‭ ‬تعبيري‭.‬

نعود‭ ‬لما‭ ‬نريد‭ ‬تحليله‭ ‬من‭ ‬الأمر‭ ‬كله،‭ ‬ففي‭ ‬الجانب‭ ‬الإيجابي‭ ‬تحقق‭ ‬لنا‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬إشباعًا‭ ‬ذاتيًا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مشاعرنا‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحفظات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تمنعنا‭ ‬من‭ ‬توصيلها‭ ‬شفاهة‭ ‬أو‭ ‬كتابة،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تحرمنا‭ ‬من‭ ‬الاستشعار‭ ‬بالقيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمشاعر‭ ‬وإنعاش‭ ‬الأحاسيس،‭ ‬سواء‭ ‬مشاعر‭ ‬السعادة‭ ‬أو‭ ‬الحزن،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنها‭ ‬تقلل‭ ‬التعبير‭ ‬الحقيقي‭ ‬للانفعالات‭ ‬وتقلل‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬وتشجع‭ ‬على‭ ‬اختصار‭ ‬الكلام،‭ ‬والأثر‭ ‬هنا‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬نسعد‭ ‬بها‭ ‬لحظة‭ ‬تبادل‭ ‬تلك‭ ‬الرموز،‭ ‬فلا‭ ‬أجزم‭ ‬أبدًا‭ ‬باستمرار‭ ‬الأثر‭ ‬بعد‭ ‬ثوانٍ‭ ‬من‭ ‬تبادلها‭ ‬لأنها‭ ‬حتمًا‭ ‬صورة‭ ‬عابرة‭ ‬مهما‭ ‬تنوعت‭ ‬إصداراتها،‭ ‬هذا‭ ‬بخلاف‭ ‬ما‭ ‬تحدثه‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬تحدٍ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬قدرات‭ ‬الشخص‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬والتعبير،‭ ‬بخلاف‭ ‬الكلام‭ ‬المنطوق‭ ‬أو‭ ‬المكتوب،‭ ‬حيث‭ ‬تبقى‭ ‬الأحاسيس‭ ‬معبرة‭ ‬تعطي‭ ‬أثرها‭ ‬دافئًا‭ ‬جميلاً،‭ ‬هو‭ ‬ذاك‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتغنى‭ ‬بأبيات‭ ‬الشعراء‭ ‬وكلمات‭ ‬الحكماء‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغنينا‭ ‬هذه‭ ‬الرموز‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬التعبير‭ ‬الكلامي‭ ‬مهما‭ ‬وصل‭ ‬بها‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬التصميم،‭ ‬لكنني‭ ‬أقولها‭ ‬وأنا‭ ‬ممن‭ ‬يرد‭ ‬غالبًا‭ ‬على‭ ‬تعليقات‭ ‬قراء‭ ‬مقالاتي‭ ‬بوجه‭ ‬باسم‭ ‬ووردة‭ ‬حمراء،‭ ‬ولا‭ ‬أعلم‭ ‬أهي‭ ‬هويتي‭ ‬الافتراضية‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كذلك‭... ‬فما‭ ‬هي‭ ‬هويتك‭ ‬الافتراضية؟‭.‬